2013 121

المسيحى بين الحلم والغضب

Bookmark and Share
حكت لي طبيبة مؤمنة، تعمل في سجن كاليفورنيا، عن سجين شاب هناك، حاول الانتحار عدة مرات.  وبعد أن تم انقاذه من الانتحار قال للطبيبه: “من فضلكم دعوني أموت، أنا لا أستحق أن أعيش!!  فالشيطان يعايرني كل يوم، لأني قتلت أبي في لحظة غضب وتهور، مدتها دقائق قليلة.  ولن أستطيع أن أعيش معذَّب بهذا الذنب أيامًا وسنينًا طويلة”!!

نعم ما أبشع الغضب وعواقبه!!

أحبائي، إن كنا نعيش في مجتمع تسوده العصبية وحدة الطباع، بسبب أو بدون سبب، لكن أولاد الله، لهم سِمَة جميلة وفضيلة رائعة تميِّزهم وسط هذا المجتمع الغضوب، إنها فضيلة “الحِلم” أي أن يكون المؤمن حليمًا (عكس غضوبًا).

أصلي من كل قلبي أن يظهر هذا الحِلم والهدوء في حياتي وحياتك عزيزي القارئ.

ما هو الحِلم؟

الحليم هو الشخص الذي لا تثيره إساءة الآخرين له، ولا يرغب في الانتقام منهم.  وهذا ما وصف الرب به موسى أنه «حليمًا أكثر من جميع الناس» (عدد12: 3).  وهي صفة يريدها الرب في كل المؤمنين «ليكن حلمكم معروفًا عند جميع الناس» (فيلبي4: 5).  ولنا في المسيح منبع ومصدر لكل وداعة وحلم «بوداعة المسيح وحلمه» (2كورنثوس10: 1).

تعريف الغضب

الغضب يُنظر إليه على أنه شكل من أشكال رد الفعل والاستجابة، التي تمكِّن الإنسان من التعامل مع التهديدات. ويتخذ الغضب عدة أشكال كالغضب السريع والمفاجئ، أو المتعمَّد أو الغضب شديد الانفعال، وهذا النوع مرتبط بسمات الشخصية، ويظهر في حالات من التهيج والعبوسة والفظاظة.

وقد تصاحب الغضب مظاهر مثل: تأثُّرعضلات الوجه والهيكل العضلي بشدة، فيصبح الوجه محتقنًا، مع زيادة في معدل ضربات القلب، والتي تُعِد الشخص للتحرك، أيضًا زيادة في تدفق الدم إلى اليدين، مع ازدياد نسبة العرق ولا سيما عندما يكون الغضب شديدًا.

الغضب المقدس والغضب الشرير

هل كل غضب هو مرفوض ويعتبر خطية؟!

1. من كلمة الله نتعلم أن الرب يسوع نفسه غضب، فعندما رأى الذين يبيعون ويشترون في الهيكل غضب، وحينما كان في المجمع غضب أيضًا «نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ حَزِينًا عَلَى غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ» (مرقس3: 5).  وهذا هو الغضب المقدس غير المصحوب بالكراهية للآخر أو الانتقام منه.

والغضب المقدس، ليس بسبب إهانة الآخرين لي، بل هو بسبب إهانة الآخرين للمبادئ الإلهية.  فعندما أٌهين رجل الله موسى من هارون ومريم أخويه، لم يغضب بل نقرأ عنه «وأما الرجل موسى فكان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس» (عدد12: 3).  لكن وقت عبادة الشعب للعجل يقول الوحي الإلهي «أَبْصَرَ الْعِجْلَ وَالرَّقْصَ، فَحَمِيَ غَضَبُ مُوسَى، وَطَرَحَ اللَّوْحَيْنِ مِنْ يَدَيْهِ وَكَسَّرَهُمَا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ» (خروج32: 19).  إن عدم الغضب في هذه الحالة هو عدم تقدير لمجد وكرامة سيدنا المعبود المبارك.

وهذا الغضب لا يتعارض مع محبتنا للناس حولنا.

2. أما الغضب الشرير، هو هذا الانفعال الذي دافعه الجسد والكبرياء والذي يظهر في الصوت العالي والصياح، وغالبًا ما يسيء للآخرين بحق أو بدون حق.  وهذا واضح مع شاول الملك، الذي في غضبه هاج وشتم وحاول قتل ابنه يوناثان، لا لشيء إلا لأنه دافع عن داود البريء «فَحَمِيَ غَضَبُ شَاوُلَ عَلَى يُونَاثَانَ وَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ الْمُتَعَوِّجَةِ الْمُتَمَرِّدَةِ، أَمَا عَلِمْتُ أَنَّكَ قَدِ اخْتَرْتَ ابْنَ يَسَّى لِخِزْيِكَ» (1صموئيل20: 30).  ياللهول!!

مخاطر الغضب

1. جسمانيًا ونفسيًا: ما أكثر الأمراض الجسدية والنفسية التي تصيب الكثيرين، بسب انفعالتهم غير المنضبطة وغضبهم الشديد: الانهيار العصبي، الشلل، والضغط المرتفع، وبعض حالات مرضى السكر؛ بسبب ترك العنان للغضب.  ما أروع ما قاله المسيح «تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم» (متى11: 28).  نعم تجد راحة لأعصابك عندما تسلِّم للرب قضيتك، فتجد راحة لنفسك.

2. روحيًا: يقول الرسول يعقوب «غضب الإنسان لا يصنع بِرَّ الله» (يعقوب1: 20).  الغضوب لا يستطيع أن يتمِّم أفكار الله.  فعندما غضب موسى على الشعب، لم يستطع أن يصنع بر الله، وبدلاً من أن يكلم الصخرة ضربها مرتين، فحُرم من الدخول إلى أرض كنعان (عدد20: 11).  ليس هذا فقط بل أن الغضب يجلب القضاء الإلهي «وأما أنا فأقول لكم أن كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم» (متى5: 22).

3. سلوكيًا: مما لا شك فيه أن الغضب يقود إلى قرارات خاطئة.  يقول الحكيم «اَلسَّرِيعُ الْغَضَبِ يَعْمَلُ بِالْحَمَقِ» (أمثال14: 17).  ويحكي لنا يعقوب أبو الأسباط عن سلوك ابنيه فيقول: «شمعون ولاوي أخوان.  آلات ظلم سيوفهما...  في غضبهما قتلا إنسانًا وفي رضاهما عرقبا ثورًا.  ملعون غضبهما فإنه شديد وسخطهما فإنه قاس» (تكوين49: 5-7)؛ مشيرًا بهذا إلى حادثة انتقامهما لشرف اختهما من شكيم الذي أذلها، فقتلوا ليس شكيم فقط بل كل رجال المدينة في يوم واحد (تكوين34: 25)!!  نعم ملعون غضبهما!!

أخي.. أختي.. هل تعاني من الاستفزاز والمستفزين الذين حولنا؟  فما أحوجنا إلى نعمة ومعونة من الرب ليكون حِلمنا (هدوئنا وطول أناتنا) معروف عند جميع الناس، فيكون كل منا «مبطئًا في الغضب» (يعقوب1: 19).

واجبنا تجاه الغضب

1. نحتاج إلى حياة المسيح فينا؛ ليس فقط أن نتعلم أسلوب حياته «لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته» (متى12: 19)، بل أيضًا أن يحيا هو فينا «بوداعة المسيح وحلمه» (2كورنثوس10: 1).

2. هناك مواقف تحتاج منا إلى الحزم، وقد تستلزم الغضب أيضًا، لكننا نحتاج أن نضع أمامنا هذه النصيحة الحلوة «اغضبوا ولا تخطئوا.  لا تغرب الشمس على غيظكم» (أفسس4: 26).  لأنه إذا بقي هياج أو غضب كامنًا في نفوسنا، فلا يكون هذا الغضب من الله، وحينئذٍ نعطي لإبليس مكانًا في حياتنا يحركنا إلى ما هو أبعد من الغضب.

3. ما أحوجنا أن نتعلم كيف نضبط أنفسنا ولا سيما في وقت الغضب.  «اَلْبَطِيءُ الْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ الْجَبَّارِ، وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً» (أمثال16: 32).  وهذا لن يتم إلا بقوة وعمل الروح القدس.

4. «لا تتغاضبوا في الطريق» (تكوين45: 24).  نحتاج أن نستمع إلى نصيحة يوسف لإخوته ولنا أيضًا.

أحبائي أرجو أن نتذكر أن إلهنا يحب أن يرى فينا «الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن» (1بطرس3: 4).
إيليا كيرلس
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf