2003 59

دانيال

Bookmark and Share

هو أحد الكواكب اللامعة في سماء الكتاب المقدس، برَز في وقت كانت فيه الظلمة حالكة والسواد شديدًا، لكنه لمع جدًا، وتلألأ نوره قُدّام الجميع، وازدانت حياته بالأمانة والشجاعة والولاء لله.  استطاع هذا الرجل أن يكرم الله في أصعب الأوقات ويعلّي اسمه في الإمبراطوريات، ويظل شاهدًا له في أصعب الأزمات ورغم أقسى التحديات.  فلا عجب إذًا أن يكون دانيآل الرجل الوحيد بين كل رجال الكتاب المقدس الذي دعاه الله «الرجل المحبوب» (دانيآل 9: 23؛ 10: 11 ،19).

دانيآل، من هو؟

هو واحد من الفتيان الذين سباهم نبوخذ نصر إلى بابل، وكان له من العمر حوالي 15سنة.  وعاصر مملكة الكلدانيين، ثم مملكة مادي وفارس، وظل طوال سني السبي السبعين في بابل.  وربما عاش حتى بلغ التسعين من عمره حين انتهت حياته ورسالته على الأرض.

معنى اسمه

الله قاضيَّ.  وقد عاش دانيآل كل حياته وهو يتطلع إلى الله القاضي العادل.  كان يتصرف في الحياة دون أن يبالي بالناس، لأنه كان يعلم أن قضيته ليست في يد بشر بل في يد الله الذي يحكم بعدل.  كان من أعلى الطبقات في بلاده، من النسل الملكي.  وكان جميلاً، لا جمال الوجه فقط بل كان يملك جمالاً مثلَّثًا: جمال الوجه، والعقل، والإرادة.

الأمانة

أُدخِل دانيآل ورفقاؤه الثلاثة، حننيا وميشائيل وعزريا، إلى أكاديمية بابل التي أنشأها نبوخذ نصر لتضم خلاصة الطبقات من الشعوب المغلوبة.  وهناك تعرَّض لأول امتحان صعب في السبي.  كان بروتوكول الأكاديمية يتضمن:

1) تعليم لغة الكلدانيين،

2) تناول طعام خاص من أطايب الملك وخمر مشروبه،

3) تغيير الأسماء العبرية إلى أسماء كلدانية تحمل أسماء الآلهة الوثنية. 

وأرى من ذلك أنه تعرّض لضغط من ثلاثة جوانب.  

أولاً: ضغط على الذهن لتعليمه ثقافة غريبة عن ثقافة شعبه.  وهذا أول سلاح يستخدمه إبليس ضد الشاب المسيحي، أن يضغط على ذهنه بكل المبادئ العالمية.  فالعدو يحاول تشكيل تفكير الشاب بل ويحاول صبه في قالب المبادئ العالمية التي تتعارض كُلّيةً مع كلمة الله.  

ثانيًا: أطايب الملك وخمر مشروبه.  وهي تمثل ما يقدِّمه العالم مِن مُتع وملذات حِسّية للجسد؛ شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظُّم المعيشة.

ثالثًا: تغيير الأسماء لاستبعاد اسم الله منها تمامًا.  دانيآل الذي معناه الله قاضيَّ غيّره الملك إلى بلطشاصر أي "المفضَّل من بيل"، وبيل هو أحد آلهتهم الوثنية - وهي محاولة للتأثير على روحه والتدخل في علاقته بالله وزحزحته عن ولائه له.  «أما دانيآل فجعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه»، لقد ظل أمينًا للّه، وظلت روحه متعلقة بالله وظل قلبه مكرَّسًا له.  ومما ساعده على ذلك أنه كان ذا إرادة قوية قادته أن يقف إلى جوار الله والحق دون أدنى تردد أو شبهة خوف!!  

الشجاعة

اتسم دانيآل بشجاعة نادرة لازمته طوال حياته وكانت نابعة من أمانته لله وإيمانه به.  وكل من يعيش بضمير صالح لا بد أن يكون شجاعًا.  كان دانيآل شجاعًا في شبابه وحتى شيخوخته، قدّام الترغيب، وقدّام التهديد.  كان شجاعًا وهو يرفض عطايا الملك، وأيضًا وهو يواجه جُبَّ الأسود؛ لم يتذبذب قَطّ في شجاعته ولم يتراجع عنها أو يغطيها بما يُقال إنه حكمة أو ما شابه ذلك من تعليلات الناس.  وقف أمام الملك الشرير بيلشاصر، الذي - على أغلب الظن - كان قد عفاه مِن أي منصب هام في الدولة، على عكس ما فعل أبوه نبوخذ نصر، وربما كان قد دخل دائرة النسيان، إلا أنه استُدعي ليفسِّر للملك الكتابة التي كتبتها أصابع يد إنسان، وبسببها اضطرب الملك وكل عظمائه جدًا.  وواجه دانيآل بيلشاصر كالأسد قائلاً له: «لتكُن عطاياك لنفسك، وهَب هباتك لغيري»؛ بل وبّخه توبيخًا صارمًا على شروره، وذكّره بما حدث مع نبوخذ نصر وكيف أنه لما تكبر وارتفع قلبه أسقطه الرب وجعله كأدنى الحيوانات.  رفض دانيآل عطايا الملك وجاه الدنيا لأنه أدرك أن كل هذا سرعان ما يزول، وتم فيه ما قاله أحدهم: "إن الشجاعة الصحيحة هي ألا يرضى الإنسان بالجاه المزيَّف حتى ولو تدثر بالأرجوان أو حمل وسامًا أو قلادة ذهبية مهما يكن منظرها ومظهرها قدام الناس".  

الاتكال على الله

كانت حياة دانيآل حافلة بالأزمات وكان سلاحه الوحيد في مواجهتها الصلاة والتعلق بإلهه.  ففي شبابه واجه أزمة رهيبة إذ كان مطلوبًا هو ورفقاؤه للإعدام بسبب فشل حكماء بابل في تفسير حلم نبوخذ نصر.  وللتوِّ لجأ للرب، وتعلق به هو ورفقاؤه الأتقياء، فاجتمعوا معًا «ليطلبوا المراحم مِنْ قِبَل إله السماوات»، وجاءت الإجابة فورًا إذ «كشف لدانيآل السر في رؤى الليل».  وكم تمجَّد اسم الله قدام الملك الوثني وكل المملكة حتى أن نبوخذ نصر سجد لدانيآل ومجَّد الله واعترف «أنه فوق كل الآلهة وأنه رب الملوك وكاشف الأسرار».  والرائع أن العادة التي لازمت دانيآل من شبابه حتى شيخوخته هي أن يجثو على ركبتيه ويصلي.  لذا نراه أمام الامتحان القاسي وزئير الأسود الجائعة، «ذهب إلى بيته وكواه (نافذته) مفتوحة في عُلّيته نحو أورشليم، فجثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم وصلّى وحمد قدام إلهه كما كان يفعل قبل ذلك».  ياللعظمة!  ياللروعة!  وقد كان إنقاذ الرب عظيمًا وتمجَّد جدًا قُدّام الملك والمملكة كلها.  

ترى هل نتشرف أن يُدعى الله إلهًا لنا كما دُعي «إله دانيآل»؟!

فريد زكي
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf