2001 48

قصة حقيقية

Bookmark and Share

كان الليل هادئاً وأنا أمتطى جوادي في طريقي إلى قرية بإحدى مراكز المدينة.  كنت استمتع بلسعة البرد الخفيفة بينما أتفكر فيما قاله لي بعض المقرَّبين لي عندما عرفوا أنني سأقوم الليلة بالذهاب إلى هذه القرية، كما تعودت في أول كل شهر، لكي أوصِّل بعض المرتبات إلى أصحابها الذين اصبحوا في المعاش، خاصة وأنني كنت اعمل صرافاً بإحدى المصالح.  لقد حاولوا بكل ما أوتوا من قوة أن يمنعوني، خوفاً من قُطّاع الطرق الذين انتشروا في تلك الأيام؛ ولكنهم لم يثنوا عزمي، فقد كنت أثق في الله القادر أن يحميني.

كنت معتاداً أن أذهب إلى تلك القرية في أول كل شهر، وكنت أحضر الاجتماع مع المؤمنين هناك، ثم أذهب لأبيت عند والد زوجتي الذي يقطن تلك القرية. كانت تلك هي عادتي، لذلك لم أعرف لماذا حاولوا منعي هذه المرة.

أخذت أرنم بصوت منخفض، وكنت أشعر بوجود الله معي، مما زاد من بهجتي وسلامي.  وظللت هكذا إلى أن وصلت إلى منطقه تزدحم بها الأشجار العالية، فإذ بي أشعر بخوف باغت يجتاحني.. 

ما هذا؟ .. يا إلهي.. إني أشعر أن هناك خطراً يتهددني.  حاولت بكل طريقه أن أتغلب على هذا الشعور المفاجئ، ولكنه كان يزداد قوة.  إذاً فقد كان الذين حذروني  على حق، لذلك قررت أن أترجل عن الجواد لكي أصلي.  اتجهت إلى شجرة كبيرة عالية وربطت الجواد بها، وركعت أصلى بصوت مسموع: يا رب يسوع.. أنت إلهي، فاديَّ ومخلصي وراعيَّ الأمين.  أحطني بذراعيك واحمني من كلِّ شرٍّ يتهددني.  إنني ضعيف، ولو هجم عليَّ أحد قاطعي الطريق لأنهى حياتي.  آه يا رب، تعامل أنت مع قُطّاع الطرق الذين لم يعرفوك، عرِّفهم شخصك وحبك وفداءك.  بين يديك أترك نفسي، وأعرف أنها في أمان كامل معك.  آمين.

قمت وحللت الجواد واستكملت طريقي وأنا في غاية السلام والهدوء.

مرت على هذه الحادثه سنتان تقريباً وأنا ما زلت على عادتي في زيارة القرية.  وذات يوم، بينما كنت في زيارة القرية - وكنت أنا المتكلم في الاجتماع في تلك الليلة - قام أحد الشبان بعد انتهاء الخدمة وطلب أن يأذن له الإخوة ببضعة كلمات.  

تعلقت الأبصار بهذا الشاب الرقيق وهو يقول:  منذ عامين كان هذا الرجل (أشار نحوي) يمتطى جواده وهو يحمل حقيبة المرتبات،.كنت أنتظره خلف إحدى الأشجار،.انتظرته طويلاً إلى أن ظهر عن بُعد.  كنت أحمل عصا أنوي بها ضربه ضربة قوية تُسقطه مغشياً عليه، ثم أخطف الحقيبة التي معه وأهرب بها.  وبينما كنت أتأهب للهجوم عليه، فوجئت به يُقبِل نحوي.. يا إلهي.. لا بد أنه رآني، وها هو يقترب مني.. لا بد أن معه آلة حادة ينوي بها قتلي.  بينما أنا أرتجف من هول المفاجأة، وجدته ينزل عن جواده ويتجه نحوي، ولشدة دهشتي وجدته يربط جواده في الشجرة التي أنا مختبئ وراءها، ثم رأيته يركع على ركبتيه ويصلي طالباً العناية به والرحمه لمن هم مثلي.  استمعت إلى صلاته المؤثرة، ولم أقوَ على الحركة.  ما إن قام لحال سبيله حتى أجهشت بالبكاء، ووقعت تحت تبكيت شديد لعمل الروح القدس، فظللت أبكى طوال الليل وأنا أطلب من الله أن يغفر خطاياي ويعطيني حياة جديدة.  وقد قبلني الله ابناً له.  ومن يومها وأنا أحيا حياة كريمة، وكل غرضي أن أخدم الرب وأمجده في حياتي.

جلس الشاب، ونظرت حولي، فرأيت الدموع تملأ عيون الإخوة تأثراً وابتهاجاً، حتى أنهم أخذوا يعانقون بعضهم بعضاً، ثم بدءوا اجتماعاً آخر للشكر والسجود والتهليل، استمر حتى منتصف الليل، وهم يمجِّدون النعمة التي تتخطى كل الحدود لتصل إلينا حيث نحن، في بعدنا وشرنا مهما عظم.  

فيبي فارس
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf