2009 98

يا لها من نظرات

Bookmark and Share

كانت جوزفين زوجة لأحد القادة الكبار في الجيش الفرنسي، لكنها تَرَمَّلَت وهي في أوج شبابها، إذ أُعْدِم زوجُها بسبب اتهامه بالخيانة. ولأن جوزفين كانت تتمتع بقدر كبير من الحُسن والجمال اللافت للأنظار بالإضافة إلى ثروة طائلة كان قد تركها لها زوجها، لذلك كانت تتعرض لمضايقات وتحرشات من كثيرين طمعًا فيها وفي ثروتها. فكرت جوزفين في الارتباط بشخص قوي يحميها ويُقَدِّرها ويحبها لا لمالها ولا لجمالها، بل لشخصها. وبعد تفكير عميق قررت الارتباط بشاب اسمه نابليون. فذهبت جوزفين لمحاميها لتخبره بالأمر ولكي يقوم بعمل توكيل رسمي لنابليون بكل ممتلكاتها.

وهنا ثار المحامي بشدة رافضًا أن ترتبط جوزفين به، وهو يصرخ في وجهها قائلاً: “من يكون نابليون هذا؟ إنه شاب مغمور لا يحبك أنتِ بل يحب أموالك ومقتناياتك! هناك الكثير من الرجال المحترمين أفضل منه مليون مرة يستحقونك ويقدِّرونك”.

ظل المحامي ثائرًا ولم تهدأ ثورته إلا بمقاطعة جوزفين له وهي تقول: “سيدي المحامي، إنها حياتي وثروتي، وقررتُ أن أمنحها له. هذا هو قراري النهائي”. خرجت جوزفين من المكتب إلى نابليون الذي كان يجلس في غرفة الاستقبال لتعتذر له عن التأخير وعن وجهة نظر المحامي ورأيه فيه؛ لأن صوت المحامي كان عاليًا جدًا لدرجة أن سمعه الجميع. تزوجت جوزفين من نابليون، ودارت عجلة الزمن مُسرعة كعادتها، وتوالت الأحداث...

وصار نابليون إمبراطورًا عظيمًا على فرنسا كلها، وفي حفل التتويج قال نابليون لزوجته: “أرجو أن ترسلي دعوة للمحامي لحضور حفل التتويج”. فأرسلت له، وعندما وصلته الدعوة الملكية انزعج واضطرب أشد ما يكون الانزعاج والاضطراب وتذكَّر المحامي موقفه القديم ورأيه المُعادي لنابليون. فالشخص الذي كان في نظره مغمورًا صار الآن مشهورًا، بل ومليك البلاد كلها. حاول المحامي في بادئ الأمر أن يستعفي من حضور حفل التتويج لكنه لم يستطع؛ فالدعوة لها صفتها الرسمية كأمر ملكي. جاء ميعاد الحفل فلَمْلَمَ المحامي أشلاء جسده الواهن، ونفسه الخائرة، وروحه الخائفة، وهو يُمَنِّي نفسه بأن الملك سيكون مشغولاً في شؤون كثيرة ولن يلتفت له. وما أن وصل إلى القاعة حتى أخذه أحدهم ليجلس في المقعد المخصص له وهو يقول في نفسه: “الحمد لله أني لست في الصفوف الأمامية. يمكنني أن أنذوي في مقعدي فلا يراني الملك ولا يتذكر موقفي القديم منه”. ولم يقطع تصورات المحامي وتخيلاته إلا التصفيق الشديد الحار المُصاحب لدخول الملك. جلس الجميع وتوالت الكلمات والهتافات وكان صاحبنا مرتعبًا مرتعشًا، يتمنى لو جاءت لحظة الممات. تُوِّج نابليون ملكًا وظل المحامي مُتَسَمِّرًا في مكانه، مُنَكِّسًا رأسه، خافضًا بصره، سامعًا دقات قلبه. وفي إحدى اللحظات، وبينما كان يختلس نظرة غير مباشرة على السمو الملكي، وإذ بنابليون الملك يتجه ببصره نحوه بل ويثبت عينيه عليه، وكأن الملك يتذكر شيئًا ما. فذابت روح المحامي فيه وتغيرت هيئته، كما حدث مع بيلشاصر الملك في دانيآل5، عندما أفزعته أفكاره، وانحَلَّت خرز حقويه. واصطكت رُكبَتَا المحامي، وانفتح فمه وكأنه أخرس يريد أن يصرخ ولكنه لم يستطع! وقف الملك وكأنه يُحَيِّي الحضور وفي نفس الوقت كان ماشيًا نحوه، فشعر المحامي أن ميعاد طلوع روحه قد حان، وتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه كما انشقت وابتلعت بني قورح في القديم (عدد16: 30)، أو أن تذوب عينيه ولحمه كما سيذوب أعداء المسيح في يوم قادم (زكريا14: 12). وكان كلما اقترب الملك منه كلما ازداد الرجل رُعبًا وفزعًا، وبَدَت عليه صُفرة الموت. كانت اللحظات كالدهر تمضي ببطء شديد، وفي صمت رهيب. وفجأة كان الملك والمحامي وجهًا لوجه، فازدادت دقات قلبه إلى أقصاها، وهنا اقترب الملك منه جدًا وهمس في أذنه قائلاً: “أنا لن أعاقبك، لكنك ستكون أمام بصري وسمعي طوال الحفل!”... فيا له من حفل غير سعيد! بل ويا له من عقاب شديد!

القارئ العزيز، إن أبشع خطأ يمكن أن يرتكبه الإنسان ليس السرقة وليس الزنا، ليس الكذب وليس الرياء؛ فهذه وتلك لها علاج فدم «يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية» (1يوحنا1: 7)؛ فأول من دخل الفردوس مع المسيح كان لصًا (لوقا23)، وأول من تحدث معها المسيح من النساء حديثًا طويلاً كانت امرأة زانية لكنها صارت مُبَشِّرة (يوحنا4). لكن أشنع الخطايا التي يمكن أن يرتكبها الإنسان هي أن يرفض المسيح؛ لأنه المُخَلِّص الوحيد والطريق الوحيد...

وإن كان اليوم كالحمامة في بساطته، وكالحمل في وداعته، لكنه غدًا سيكون كالنسر في انقضاضه وكالأسد في افتراسه.
عرش المسيح اليوم عرش نعمة صافٍ، ولكن في الغد سيجلس عليه قاضيًا.
المسيح اليوم مخلِّص للجميع، ولكن غدًا سيكون ديانًا للجميع. فمن هو المسيح بالنسبة لك: مُخَلِّص أم دَيَّان؟!
صديقي القارئ وصديقتي القارئة، سترى المسيح يومًا، كما سيراه كل البشر، لكن هل سيكون اللقاء في حفل بهيج سعيد؛ أم عقاب وهلاك شديد؟!

صفوت تادرس
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf