2003 64

أفكار سلام لا شرّ

Bookmark and Share

هناك مفهوم خاطئ يزرعه الشيطان في النفوس؛ وهو أن الله يقف بالمرصاد ضد رغباتنا، وأن مشيئته من جهتنا هي أسوأ الاحتمالات وأصعب الاختيارات، وهي بالضرورة عكس ما نرجوه ونتمناه وما يتوافق مع تكويننا النفسي واحيتاجاتنا. وأن علينا أن نتقبَّل، مجبَرين، هذه المشيئة وهذا الاختيار، باعتباره القَدَر الذي لا مفر منه، وعلينا أن نتعايش مع أوضاع يستحيل التعايش معها.

وربما كان منشأ هذا الفكر أن الله، في حكمته، قد يسمح لبعض المؤمنين، في بعض الفترات، ببعض المعاناة والتجارب والآلام والحرمان، رغم أنهم يعيشون في طاعة وتقوى . والشيطان يستغل ذلك لتعميم المبدأ أن الله لا يعمل لخيرنا وسعادتنا، بل لفشلنا وتعاستنا . ومن هنا يبدأ المؤمن صراعه وتوسلاته إلى الله لكي يُغيِّر فكره ومشيئته، مفترِضًا أنها بالضرورة عكس ما يرجوه، وأنها حتمًا سترتبط بالمعاناة .

 وعلينا، يا أعزائي القراء، أن نفهم جيدًا أن الله المُعلَن في كتابنا المقدس ليس هو ذلك الإله المنتقم الجبار؛ وإنما هو الأب المحب «الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين. فكيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيء» (رومية8: 32) . لقد أحبنا بذات حبه لابنه «انظروا أيّة محبة أعطانا الآب حتى نُدعى أولاد الله» (1يوحنا3: 1). لقد سُرَّ أن يعطينا الملكوت (لوقا12: 32)، وسُرَّ أن نكون حول ابنه في بيته مشابهين صورة هذا الابن. وأن نكون قدّامه طول الأبدية في أسعد مكان وأسعد علاقة . وأن نكون ورثة له ووارثين مع ابنه وأن نشارك الابن في كل أمجاده لأننا عروسه.

بعد كل هذا كيف يفكِّر فينا بالضرر؟! لقد قال الرب يسوع «لا تهتموا قائلين: ماذا نأكل. . . لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها» (متى6: 31،32) وأيضًا «أي إنسان منكم إذا سأله ابنه خبزًا يعطيه حجرًا؟ وإن سأله سمكة يعطيه حيّة؟ فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري أبوكم الذي في السماوات يهب خيرات للذين يسألونه» (متي7: 9-11).

لأجل هذا كله، علينا أن نتيقن أن مشيئة الله جهتنا وخطته هي أروع شيء لحياتنا . ولا ينبغي أن نشك في ذلك لحظة. أو نبحث عن تغييرها. ألعلنا أحكم منه؟

لقد رسم الخطة التي تحقق لنا منتهى السعادة والبركة والنجاح الروحي أولاً ثم الزمني . إن أفكاره من جهتنا هي سلام لا شر، وهي صالحة على الدوام. وأعماله عجيبة تفرِّح إلى التمام. لقد أخذ في اعتباره، وهو يرسم الخطة: تكويننا النفسي، واحتياجاتنا المتنوعة، وما يتناسب مع قدراتنا ويتوافق مع إمكانياتنا البشرية. إنه يعرف جُبلتنا، فهو الذي جبلنا وصنعنا. ويعرف ما يُمكن أن نتقبّله ونسعد به، وما لا يُمكن أن نتقبله ونتعايش معه.

فعلى سبيل المثال: لا يُمكن أن تكون مشيئة الله لشاب أنه يدخل كلية عكس كل ميوله ورغباته الطبيعية وإمكانياته وقدراته التي تضمن نجاحه فيها. كذلك يستحيل أن تكون مشيئة الله أن ترتبط فتاة بشخص لا تستطيع مُطلًقا أن تتقبّله شكلاً أو موضوعًا.

 إنه الإله الحكيم وحده، وهو يعمل دومًا لخيرنا بل لراحة الفؤاد

(يتبع).

محب نصيف
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf