2004 66

النوم في الحصاد

Bookmark and Share

هل سمعت عن مرض النوم sleeping sickness؟

إنه مرض عضوى حقيقي ينتشر في بعض البلاد الأفريقية، تنقله الذبابة الشهيرة باسم «التسي تسي».

يهدِّد هذا المرض أكثر من 65 مليون أفريقي في حوالي 36 دولة، وبالأكثر في الكونغو والسودان وأنجولا، وكثير من هذه الدول هي الأفقر في العالم. ويمكن أن تهاجم المصابين بهذا المرض نوبات نوم مفاجئة في أي وقت من أوقات النهار أو أثناء تأدية الأعمال المختلفة، مما يهدد الإنتاج.

أما ما يهدِّدنا نحن في هذه الأيام فهو مرض روحي خطير هو النوم في أثناء الحصاد!

خاطب المسيح تلاميذه قائلاً «ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول؛ إنها قد ابيضّت للحصاد» (يوحنا4: 35).

وفى أيام الحصاد الجميلة، على الحاصد أن ينهض من نومه فجرًا؛ فلا وقت ليضيعه، فهناك الكثير من الثمار الدانية للقطف، وعليه أن يحصدها سريعًا قبل أن ترتفع الشمس ويحمى لهيبها فتجف الثمار ويصبح من المستحيل الحصاد.

صديقي تحدّثنا سابقًا عن بعض صفات الكسلان. وفي عددنا هذا دعنا نلقي نظرة على بعض أسوإ نتائج الكسل، وهي أنه:

1- يضيِّع الفرص المجهَّزة من الله

وقت الحصاد لا يدوم طويلاً. فأما من يذهب للجمع فهو من العاقلين، فالعاقل هو من يغتنم الفرص الثمينة. نعم سيبذل مجهودًا شاقًا، ولكن الأمر يستحق، فالفرصة قد لا تتكرر. نرى فى مثل الوزنات (متى 25) ما يبين قيمة الاجتهاد في عمل الرب، فمن عملوا بأمانة واجتهاد قد ربحوا تقديرًا جميلاً من السيد «نعما أيها العبد الصالح والأمين»، وأيضًا جزاءً جليلاً «كنت أمينًا في القليل فأقيمك على الكثير. ادخل إلى فرح سيدك»

أما من تكاسل ولم يعمل باجتهاد لأجل نوال الرضا والمكافأة فقد أدانه السيد بقوله «أيها العبد الشرير والكسلان».

ووضع الله لنا فرصًا مجهَّزة تتناسب مع قدراتنا التى أعطاها لنا، فأعطى البعض قدرات خاصة، وغيرهم إمكانيات أ قل (خمسة وزنات أو وزنتين)، لكن المكافاة ليست على كمّ الربح؛ فمع أن أحد العبيد ربح خمسة وزنات وربح الآخر اثنتان؛ فقد أعطاهما السيد نفس المكافاة، فقد بذل كل من الاثنين أقصى جهدهما، كل على قدر طاقته؛ فربح كلاهما بنسبة 100% مما أعطاهم سيدهم؛ فالمهم ألا تكون كسولاً.

فإن كان فى إمكاننا أن نبذل المزيد من الجهد، أو نستثمر المزيد من الوقت فى خدمة الله من القلب، ولم نفعل ذلك، سعيًا للراحة؛ فنحن من الكسالى المتراخين الذين يضيّعون الفرص المجهِّزة من الله للبركة والربح.

صديقي من الأسهل كثيرًا أن نتراخى ونستريح وأن ننفق الكثير من الوقت فى وسائل التسلية والترفيه، لكننا سنضيّع المزيد من الوقت والعمر في النوم اثناء الحصاد، فيا للخزى! «من يجمع فى الصيف فهو ابن عاقل، ومن ينام في الحصاد فهو ابن مُخزٍ» (أمثال 10: 5).

2- يضيِّع المصادر المتاحة من لله

إن المسرف هو من يدفع مالاً كثيرًا فى أشياء لا قيمة لها، فهو يضيِّع أشياء ثمينة في ما لا قيمة له.

ويخبرنا الحكيم أن «المتراخي في عمله هو أخو المسرف» (أمثال 18: 9)، فهو أيضًا يضيّع على نفسه أشياء هامة وثمينة نتيجة كسله وتراخيه،.ويفوِّت على نفسه مصادر قد أعدّها الله لبرَكته. فإذا عبَرتَ بحقل الكسلان ستجده قد علاه الشوك وقد انهدمت جدرانه وصار ما فيه عرضة للنهب والسلب (أمثال24: 30،31).

فكم من المؤمنين قد ضاعت شهادتهم ليس فقط لوضع المنارة تحت المكيال (رمز الأشغال الزمنية) أو وضع إناء على السراج (رمز الاهتمام بإشباع الجسد وامتاعه)، ولكن أيضًا بسبب وضع المنارة تحت السرير (مرقس 4: 21) قد انطفات الشهادة وغابت البركة.

ففأسفًا على المؤمنين المسرفين، الذين بدلاً من أن يذهبوا للجمع والربح فى وقت الحصاد، قد أضاعوا أثمن ما لديهم، وآل مآلهم إلى:

3-الفقر والجوع

ولاعجب أ لم يترك الكسلان حقله عُرضة للسلب والنهب بسبب حبه للنوم القليل متبوعًا بالنعاس القليل ثم طي اليدين قليلاً للرقود؛ والمحصلة هي: الكثير من النوم = كثير من الفقر أتى مقتحمًا غازيًا (أمثال 6: 10،11).. أما اذا عمل الكسلان.. فبرخاوة لا تمسك صيدًا (12: 27)، ولا تشبع جوعًا (19: 15)، ولا تزيل فقرًا (10: 4).

فهو يظل فى عذاب الجوع دون أن يبذل جهدًا للتخلص منه. وحتى إن أحضروا له طعامًا مُعَدًّا جاهزًا فالكسلان يمد يده إلى الصحفة ويشق عليه أن يردّها إلى فمه (26: 15).

 وكم من المؤمنين عاشوا في فقر روحي عميق لأنهم أكسل من أن يهيّئوا لأنفسهم طعامًا من كلمة الله، وإن وُجد في عصرنا الكثيرين الذين ينفقون من الوقت والجهد الكثير لأجل الطعام واللباس، غير أنه علينا أن نعمل لا للطعام البائد بل الباقي للحياة الأبدية وأن نطلب أولاً ملكوت الله وبرّه.

قد قلّ الذين يتعبون فى حرث الكلمة وتحصيلها لأجل كفاية من اللبن العقلى العديم الغش لطعامهم وطعام إخوتهم، فالمجتهد بحقله يشبع خبزًا (28: 19). واختفى من يجاهدون في الصلاة مثل أبفراس، فكثر الفقر وزاد الجوع، جوع دفع النفس إلى أن تتذوق من كل طعام العالم المُرّ حاسبة إياه حلوًا (27: 7)، وفقر دفع النفس أن تستعطي في وقت الحصاد بدلاً من أن تُعطي (20: 4).

صديقي:

 كم من الفرص الثمينة أضعت؟!

ووكم من البركات والعطايا التي أعطاك الله قد أسلمت للسلب والنهب لأنك كنت أكسل من أن تسهر للحفاظ عليها؟! و

كم من طعام العالم المرير أكلت؟!

فلنصلِّ طالبين من الله توبة حقيقية عن هذه الخطية المريعة.

باسم رشدي
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf