2009 96

مقابلة الله ومحادثته

Bookmark and Share

منذ عدة سنوات، رنَّ التليفون عند أحد المواطنين الأمريكيين الكبار سنًّا. ولما رفع السمَّاعة وقالت له عاملة السويتش إن الرئيس “رونالد ريجان” على الخطّ ويُريد محادثتك، أعاد السمَّاعة إلى موضعها حالاً. وقد تكرر ذلك عدّة مرات. لم يُصدِّق الرجل العاملة حينما قالت له إن الرئيس شخصيًا يطلبه من البيت الأبيض، فقد خُيِّل إليه أن الأمر مجرد مزاح من أحدهم؛ ولذلك أقفل الخط كل مرَّة. غير أن موظف السنترال المحلي وأحد جيرانه أقنعاه أخيرًا أن الأمر جدٌّ لا مزاح. ومِن جراء ذلك حظى الرجل أخيرًا بامتياز التحدّث - نحو ربع ساعة - مع الرئيس الأميريكي، الذي كان معتادًا على الاتصال بمواطنيه، كلما سمح له وقته.

هذه الحادثة ذكَّرتني بمكالمة تلقَّاها - منذ قرون طويلة - صبيٌّ اسمه صموئيل (1صموئيل3: 1-15). فلم يعرف صموئيل مَنْ كان يتكلَّم، مع أن المناداة تكرّرت. وقد كان المتكلّم حينذاك مَنْ هو أعظم مِنْ أي رئيس، إذ كان هو الله نفسه. وفي بادىء الأمر تحيَّر صموئيل وارتبك، إلا أنه أعلن إصغاءه لمّا نبَّهه عالي الكاهن إلى الشخص الذي كان يحاول الاتصال به.

عزيزي: إن الله ما زال يتكلَّم، ليس في رؤى بعد، بل في كتابه المقدَّس الموجَّه إلى كل الناس وإلى كل فرد. ليتنا نقرأه كما لو كان قد كُتِب لنا شخصيًا! وفي كل مرَّة نفتح كتابنا المقدَّس ينبغي أن يكون لنا وضع صموئيل: «تَكَلَّمْ لأَنَّ عَبْدَكَ سَامِعٌ»؛ هذه الإجابة التي تدل على الرغبة في الطاعة الفورية للرب.

عزيزي: إن الله يحاول دائمًا أن يتصل بك، إنما السؤال المهمُّ هو هذا: هل تخصِّص وقتًا لسماعه. إن الله يتكلم إلى الذين يُصغون إليه بقلوبٍ مكرَّسةٍ راغبة في إطاعته.
وفي مرة أخرى رنَّ جرس التليفون في مكتب كنيسةٍ في واشنطن، اعتاد الرئيس الأميركي ارتيادها. وإذا بالمتَّصل يسأل: هل تتوقعون حضور الرئيس هذا الأحَد؟
أجاب الراعي: لا يُمكنني تأكيد الأمر. ولكننا نتوقَّع فعلاً حضور الله؛ ومن شأن هذا أن يكون حافزًا كافيًا لحضور جمهور كبير!

في العهد القديم، ربط الله نفسه بالهيكل على نحو مُميَّز. وقد قال سليمان، يوم تدشين الهيكل: «هَلْ يَسْكُنُ اللَّهُ حَقًّا عَلَى الأَرْضِ؟ هُوَذَا السَّمَاوَاتُ وَسَمَاءُ السَّمَاوَاتِ لاَ تَسَعُكَ، فَكَمْ بِالأَقَلِّ هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي بَنَيْتُ؟»، ومع ذلك طلب إلى الله أن يتنازل فيرتبط بالهيكل، بحيث يسمع ويستجيب تصرّع مَنْ يُصلِِّي «فِي هَذَا الْمَوْضِعِ» (1ملوك8: 27، 29).

ولكن في العهد الجديد هناك «بَيْتًا رُوحِيًّا» (1بطرس2: 5)، وهذا البيت يتكون من «حِجَارَةٍ حَيَّةٍ» (1بطرس2: 5؛ اقرأ أيضًا أفسس2: 22) هم المؤمنين الحقيقيين. وحَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِ (إلى اسْم) الرب يسوع، فَهُنَاكَ يكُونُ فِي وَسَطِهِمْ (متى18: 20).

“باسْم الرب يسوع” هذه هي نقطة ومركز الاجتماع المُرتَّب مِن الله لأولاده. إنه يُريدهم أن يلتفوا ويجتمعوا حول الاسم المستحق لابنه المحبوب؛ اسم ربهم ومخلِّصهم. الاسم الذي هو فوق جميع الأسماء الأخرى، فلا اسم آخر ينفع شيئًا، ولا يمكن لأي مركز آخر، غير المسيح، أن يصلُّح لأولئك الذين يحبونه بالحق، ويرغبون في الولاء له.
وعلى ذلك، لأولئك المجتمعين معًا لاسمه الغالي وحده، سواء كانوا اثنين أو ثلاثة، أو كانوا ألفين أو ثلاثة آلاف، فإنه يمنحهم حضوره المبارك «هُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ». إنه هو شخصيًا يحضر ويأخذ مكانه في مركز الكنيسة المجتمعة، هذا هو المكان الذي ينبغي أن يُعطى له؛ مركز الأولوية والرئاسة، مركز السلطان والقيادة، وهذا هو معنى مركز الوسط.

في يوحنا20: 19-26، لما كان التلاميذ مجتمعين في أول الأسبوع، رأينا المخلِّص المُقام من الأموات آتيًا وآخذًا مكانه في وسطهم كمركز اجتماعهم، وقائلاً لهم: «سلاَمٌ لَكُمْ»، وفي هذا كان أول تحقيق لوعده بأن يكون وسط خاصته المجتمعين إلى اسمه. وجماهير كثيرة، عبر القرون الطويلة، اختبرت هذا الامتياز الحلو من ذلك اليوم.

وبعد سنوات مضت على هذه الحادثة، كتب بطرس الرسول إلى المؤمنين عن الرب يسوع، فقال: «الَّذِي إِذْ تَأْتُونَ إِلَيْهِ، حَجَرًا حَيًّا مَرْفُوضًا مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ مُخْتَارٌ مِنَ اللهِ كَرِيمٌ» (1بطرس2: 4). كما كتب بولس الرسول إلى المؤمنين العبرانيين قائلاً: «فَلْنَخْرُجْ إِذًا إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ» (عبرانيين13: 13).

لقد اجتمع القديسون في القرن الأول الميلادي حول شخص المسيح الحيّ، ومِن حول شخصه الحيّ ينبغي أن يجتمعوا في هذا اليوم. إنهم لا يجتمعون حول مبدإٍ تعليمي ما، مهما كان هذا التعليم صحيحًا، ولا حول طقس لممارسة معينة، مهما كانت أهمية هذه الممارسة، ولا يجتمعوا حول خادم موهوب، مهما كان تقيًّا؛ بل حول شخص حيّ، وهو أقنوم إلهي، وحوله ينبغي أن تلتفّ الكنيسة. إن الرسول بطرس لا يقول: “تأتون إلى أشياء عظيمة أو حقائق ثمينة”، بل قال: «تَأْتُونَ إِلَيْهِ» (1بطرس2: 4). إننا لا نأتي إلى أشياء أو أنظمة أو إلى قائد بشري، بل نأتي إلى أقنوم إلهي؛ إلى ربِّنا ومخلِّصنا. والروح القدس - الأقنوم الإلهي - الذي جمع المؤمنين معًا، يريد تمجيد المسيح أمام المؤمنين، كما يريد بركة المؤمنين في محضر الرب يسوع المسيح؛ ولذلك فهو دائمًا يُشير ويقود إلى «يسوع»، وإلى اسمه الغالي، وليس إلى أسماء أناس أو تنظيمات بشرية.

«لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي (إلى أو نحو اسمي) فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ» (متى18: 20). هذا الوعد هو أعظم بركة من الرب لكنيسته في الوقت الحاضر؛ أن يحضر وسط أبسط عدد، في أي مكان، ليأخذ مكان الرئاسة الذي هو وحده جدير به، طالما كان هدف المجتمعين هو شخصه الكريم دون سواه.

عزيزي: عندما تقصد إلى مكان الاجتماع إلى اسم الرب، تستطيع أن تتوقَّع مقابلة الرب، فاذهب إلى الاجتماع لكي تُقابله، ولكي ما يتكلَّم إليك.

فايز فؤاد
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf