2008 93

أقمصة من جلد

Bookmark and Share
خلق الله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها، وأوصاه أن يأكل من جميع شجر الجنة ما عدا شجرة واحده فقط، هي شجرة معرفة الخير والشر، وحذره بأنه إذا أكل منها موتًا يموت.

لكن جاء الشيطان إلى المرأة في جسم حية وتكلّم إليها بلغة الإنسان، وكان كلامه عبارة عن تساؤل خبيث وماكر: «أ حقُّا قال الله؟»، هادفًا تشكيكها في صدق أقوال الله. ومع إن المرأة فهمت وصية الرب الإله لآدم (تكوين 3: 3)، لكنها أُغويت، فرأت أن الشجرة جيده للأكل وأنها شهية للنظر، فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضًا معها فأكل. وانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان.

لقد أخطأ الاثنان؛ فالمرأة سمعت لصوت الحية، وآدم سمع لصوت امرأته، ولم يسمع كليهما لصوت الرب الإله. وبهذا دخلت الخطية إلى العالم، وبدخولها جاء كل من: العار والخجل، الخوف، العداوة، التعـــب، الوجع، اللعنة، الشوك والحسك، العرق، الموت والعودة إلى التراب.

وإذ شعر آدم وامرأته بعريهما، أرادا أن يستراه بمآزر من أوراق التين خاطاها لأنفسهما. ولكن هذه المآزر لم تُشعرهما بالستر؛ فقال آدم للرب الإله عندما ناداه: «لأني عريان فاختبأت». وهذه المآزر التي من عمل يدي الإنسان، تمثِّل محاولات الإنسان الفاشلة والمتكررة ليستر عريه وخزيه الروحي عن طريق أعمال يديه؛ ولكن هيهات! ونلاحظ أن شجرة التين هي الشجرة الوحيدة التي لعنها الرب عندما كان هنا على الأرض، والحقيقة أن من يحاول أن يستر نفسه بأوراق التين - أي بأعماله الصالحة - يصبح تحت اللعنة وله الويل (غلاطية 3 :10، يهوذا 11).

إن فعل الخير ومساعدة الفقراء وزيارة المرضى والصوم وترديد صلوات محفوظة، كلها لا تغفر الخطايا، لأن الكتاب يقول: «وأما الذي لا يعمل، ولكن يؤمن بالذي يبرِّر الفاجر؛ فإيمانه يُحسب له بِرًّا» (رومية 4: 5)، وأيضًا «ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد» (أفسس2: 9). فعمل يدي الإنسان ليس سوى «خيوط العنكبوت» والتي «لا تصير ثوبًا ولا يكتسون بإعمالهم» (اشعياء 59: 5، 6).

قبل سقوط آدم في الخطية كان يُسَرُّ بالعلاقة مع الرب الإله والتحدث إليه، ولكنه بعد السقوط خاف وابتعد، ولم يبحث عن الرب الإله، بل بحث عنه الرب الإله. وهذا هو الإنسان بصفة عامة كما هو مكتوب: «ليس من يطلب الله» (رومية 3: 11).

وعندما أتى الرب الإله إلى الجنة، باحثًا عن الإنسان بكلِّ الحب، نجد آدم وامرأته يختبئان من وجهه في وسط شجر الجنة. وعوضًا عن أن يعترف آدم بخطئه، نجده يقدِّم العذر لنفسه، ويلقى باللوم على امرأته، والمرأة تلقى باللوم على الحية!

كان ينبغي أن ينفَّذ حكم الموت على آدم وامرأته «لأن أجرة الخطية هي موت»؛ وهذه هى عدالة الله. ولكن الله، في محبته للإنسان، اتجه إليه بنعمة غنية، وقدَّم له علاجًا شافيًا في الذبيحة، لأنه «بدون سفك دم لا تحصل مغفرة». ولأنه كان لا بد من الموت، فكان: إما موت الإنسان أو موت البديل. لذلك أحضر الرب الإله حيوانًا بريئًا لم يرتكب ذنبًا، لكي يكون بديلاً عن الإنسان المذنب، ثم ذبحه، وسفك دمه، وأخذ جلد هذا الحيوان وألبسهما أقمصة من جلد. وبذلك سُتر آدم وامرأته. ويمكننا أن نرى في الأقمصة الجلدية كل من: العدل والمحبة. فالعدل يأخذ مجراه في نزول السكين على الحيوان وسفك دمه وموته. والمحبة تأخذ مجراها أيضًا في ستر آدم وامرأته من عريهما. وهذه الأقمصة التي من جلد قد أزالت من آدم وحواء الإحساس بالعرى، فاستطاعا أن يقفا أمام الله وقد صارا مقبولين في حضرته.

ويأتي سؤال وهو: لماذا يذكر الروح القدس «أقمصة» وليس “قميصان”؟ والإجابة: لأن الله يفكر في البشر جميعًا، ويريد أن يعطى لكل من يؤمن به سترًا إلهيا.
والذبيحة البريئة التي ذُبِحَت نيابة عن آدم وامرأته هى صورة واضحة لذبح المسيح نيابة عنا على الصليب. فالمسيح قد ذُبِح لأجلنا (1كورنثوس 5: 7). ومع أنه هو البار القدوس الذي بلا خطية ولا دنس ولا شر، لكن على الصليب جعله الله خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه.

لقد أخذ الرب الإله جلد الحيوان المذبوح وألبس آدم وامرأته، أي أنه تعرّى لكي يكتسي آدم وامرأته بجلده. وهكذا المسيح - له المجد - المكتوب عنه: «اللابس النور كثوب»، لكنه تعرى، ونزعوا عنه ثيابه، وصار عريانًا على الصليب؛ لكي نكتسي نحن بالمسيح نفسه.

وكل من يؤمن بالرب يسوع المسيح، إيمانًا قلبيًا، فإنه يلبس المسيح شخصيًا، كما هو مكتوب: «قد لبستم المسيح» (غلاطية 3: 27). ونستطيع أن نهتف الآن – كمؤمنين - بكل فرح قائلين: «فرحاً أفرح بالرب، تبتهج نفسي بإلهي؛ لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص، كساني رداء البر» (إشعياء 61: 10).

لقد كان الابن الضال، وهو راجع من الكورة البعيدة، لا يلبس إلا الهلاليل المملؤة من رائحة الخنازير؛ ولكن بعد توبته واعترافه لأبيه، ألبسه الحُلَّة الأولى (أفضل الثياب). وبالتأكيد قد اغتسل أولاً، ثم لبس هذه الحُلَّة الأولى. وهكذا كل من يأتي إلى المسيح بتوبة صادقه واعتراف قلبي وإيمان حقيقي، فإنه يغتسل أولاً بدم المسيح، ثم يلبس المسيح شخصيًا، ويصير مقبولاً أمام الله.

أخي.. أختي..

هل لبست المسيح وصرت مقبولاً فيه أمام الله؟

أم مازلت تحاول أن تستر نفسك

بمآزر من أوراق التين؟!
أمين هلال
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf