2020 161

الرسالة وصلت

Bookmark and Share

«وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ» (يوحنا١١: ٥).

جميلة الآية دي، وجميل مكانها في سياق الكلام! جاية كأنها تقرير عن حقيقة محبة الرب للأسرة دي بعد ما جاتله الرسالة من الأختين: «يَا سَيِّدُ، هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ» (يوحنا١١: ٣).

يكمل السرد: «فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ...» وكنا نتوقع أن المحبة تترجم في أنه لما سمع، قام عاجلاً وذهب إليه ووضع يديه عليه وشفاه مثلاً، لكن الكلام اللي بعدها هو العكس تمامًا! «مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ!» (ع٦).

بعتوا الاختين رسالة مختصرة: “اللي بتحبه مريض” وباقي الرسالة مفهوم: “ولأننا متأكدين إن كُلَّك محبة وحكمة، فمش هنقترح عليك أي اقتراحات، لكن اتصرف إنت”!

وبتخيل أنه لما الرب اتأخر عليهم وحصل اللي حصل، قاموا الاختين ندهوا الراجل اللي بعتوه بالرسالة:

- يا بني أنت متأكد أنك بلّغت الرب بالرسالة؟

- أيوه.

- كان صوتك عالي وكلامك واضح كده؟

- أيوه طبعًا.

- طيب متأكد انه سمعك؟ ولا كان حواليه زحمة وناس كتير؟

- ده سمعني وردّ عليا كمان.

- رَدّ قال إيه بالظبط؟

- قال: هذا المرض ليس للموت، بل لأجل مجد الله، ليتمجد ابن الله به.

- لأااا... مش ممكن! هو قال كدة بالحرف؟ هو قال هذا المرض ليس للموت!! طيب ازاي؟ إزاي ولعازر مات؟ دا إحنا متعودين منه إنه لما بيقول كلمة لازم تحصل!

وبتخيل مريم ومرثا مستنيين بس البيت يفضى من المُعزين، ويقوموا يروحوا للرب بنفسهم يشوفوا إيه الحكاية دي، فإن أخوهم يموت دي محنة، لكنها محنة متقلّش عنها إن الرب يقول كلام، وميحصلش!

وكأن الرب برضه كان مستني، بس كان مستني لما لعازر ينتن!

وبالفعل في اليوم الرابع، بعدما لعازر أنتن فعلاً، وقبلما يذهب المعزون، جه الرب، جه وأكدلهم إنه وصلته الرسالة، والدليل أنه قال لمرثا نفس الكلمات اللي رد بيها لما سمع الرسالة، فقال لها: ألم أقل لكِ إن أمنتِ ترين مجد الله؟ مقالهاش العبارة دي مباشرة ولا جاب سيرة مجد الله في كل حديثه معاها، لكنه قالها بس لما استلم الرسالة منهم، قال إن هذا المرض لأجل مجد الله.

وكأنه عايز يقولها: أنتوا بعتوا رسالة بتخبروني فيها باللي عندكم ومطلبتوش مني أتصرف إزاي، لكن مفهوم من رسالتكم أنكم عايزيني أجي وأتدخل، وأنا كمان بعت رسالة باللي عندي ومطلبتش منكم تعملوا إيه، لكن مضمون الرسالة أنكم هتروا مجد الله، بس الموضوع ده عايز إيمان. واديني بقولهالك تاني: ألم اقل لك (برسالتي اللي بعتها مع الرسول) إن آمنتي ترين مجد الله!!

فين المشكلة هنا؟ المشكلة إنه جه عليهم كام يوم كده مكنش فيهم مضمون الرسالة ماشي مع الواقع واللي حاصل. هو قال إن هذا المرض ليس للموت، لكن مات لعازر وأنتن!

طيب إيه الحل ف وقت زي كدة؟! نعمل إيه في الكام يوم ولا شهر ولا سنة دول اللي فيهم بعتناله رسايل في صورة صلوات وطلبات وتضرعات إترفعت ليه، وهو سمعها. وصلته رسايلنا، ووصلتنا رسايله. قولناله اللي عندنا، وهو ردّ باللي عنده واللي ناوي يعمله. نعمل إيه في الفترة اللي قد تطول أو تقصر، اللي فيها الواقع بيبقى مش ماشي مع رده، ورده مش راكب عالواقع. والمشكلة مش بس ممكن تطول وكأن كلامه ما تمش لكن دي المشكلة بتتعقد... لعازر كان مريض، لعازر مات، لعازر اتدفن، لعازر أنتن... نعمل إيه في الوقت ده؟

هنبتدي نفكر: إحنا مصدقين إنه هيتدخل في وقته، لكن أيهما أسهل، إنه يتدخل ويشفي مريض ولا إنه يقوّم ميت؟ طيب ميت بقاله يوم ولا أربعة؟! ودي الغلطة اللي بنقع فيها، وكام مرة مسكنا نفسنا متلبسين في الفكرة دي؟

كام مرة قلنا آمين، مصدقين إنه هيحلها، بس مش كان أسهل يحلها من شهر ولا من سنة فاتت!!

حل المشكلة دي نلاقيه في قصة مشابهة، قصة اتعقّدت فيها الأمور برضة. بنت كانت عيانة والرب اتأخر عليها برضه شوية، فماتت.

الرب ماشي في الطريق رايح بيت يايرس يشفي بنته اللي على آخر نسمة، وجت قصة نازفة الدم كجملة اعتراضية في القصة الأساسية. (وطبعًا احنا نقول عليها قصة اعتراضية، زي ما بنشوف ناس معديين في الحياة كجمل اعتراضية مبتعملش غير إنها تعطلنا عن المهمات العظيمة، لكن الرب معندوش جمل اعتراضية، ومعندوش حد waste of time زي ما إحنا بنقول على الناس. سيد الكل يقف ويسأل ويديها وقت ويتكلم معاها ويأكد ليها إنه لو الدنيا كلها مقلوبة عشان ابنة يايرس، وكله بيقول إلحق، فأنا بأكِّد ليكي إنك انتي كمان ابنة ومهمة وتستاهلي أقف واديكي من وقتي ويصر يناديها باللقب ده بالذات: “يا ابنة”).

ولكن بينما هو يتكلم، جه ليايرس عبارة من شقين فيها خبر مع نصيحة. الخبر المفجع: “ابنتك ماتت”، والنصيحة المرافقة للخبر: “لا تتعب المعلم”! خلاص مفيش داعي المعلم يتعب ويكمل مشي لحد البيت، فالأمر خرج عن السيطرة، البنت خلاص ماتت.

وقبل ما يطلع أي رد فعل من يايرس ولا حتى من التلاميذ - اللي يمكن كانوا هيوجهوا للمرأة لوم على تضييعها للوقت الثمين - الرب سبقهم كلهم. وللوقت، يعني في الحال، قال الرب ليايرس فورًا: “لا تخف. آمن فقط!” وهي عبارة من شقين برضه رد بيها الرب على العبارة الأولى.

وهي العبارة دي إجابة السؤال وجواب الحيرة. نعمل إيه في الوقت اللي ما بين ما أخدنا الوعد ولسه ماتحققش وكمان الأمور شكلها بتزيد تعقيد.

فأولاً: لا تخف! متخافش من الخبر، الأمر مخرجش برة إيدي، الوقت مش بيشكِّل عندي أي مشكلة. زي ما كنت جاي لي ومصدق إني أقدر أشفي بنتك، فأنا كمان معنديش صعوبة في إقامة ابنتك لو ماتت، فمفيش عندي صعب وسهل.

وثانيًا: آمن فقط. مش زي ما قالولك لا تتعب المعلم، أنا هكمل المشوار معاك لحد البيت، ولكن باقي المشوار من دلوقتي لحد ما نوصل للبيت وتشوفني وأنا بحل مشكلتك وبقوّم بنتك فعلاً، أنت محتاج للإيمان فقط. فآمن فقط!

وكمالة القصة نلاقيها لما نرجع لكلام الرب مع مرثا في القصة الأولى: إن آمنتِ ترين مجد الله!

ووسط أخبار ونصايح بتنهال علينا من كل حتة، يمكن العبارة الصغيرة دي هي اللي محتاجين نسمعها:

“لا تخف؛ فالزمام لم يفلت من يدي، وآمن فقط؛ فالإيمان وحده هو ما تحتاجه لبقية المشوار للبيت الأبدي.”


مريم وهيب
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf