2019 157

بولس وببليوس

Bookmark and Share

كان بوبليوس هو حاكم جزيرة مالطا في الوقت الذي انكسرت فيه السفينة التي كانت تنقل بولس إلى روما لمحاكمته، وتحطمت السفينة لكن نجا كل من كان فيها إلى جزيرة مالطا (القصة في سفر الأعمال٢٧، ٢٨).

كان بوبليوس وأهل مالطا كرماء؛ فاستضافوا بولس ومن معه ثلاثة أيام. وبينما كانوا في الجزيرة، كان أبو بوبليوس طريح الفراش مريضًا بحمى وإسهال شديد. فزاره بولس وصلى لأجله ووضع يديه عليه فشُفي. ولما حدث هذا، جاء المرضى الذين في الجزيرة، ونالوا هم أيضًا شفاءً من خلال بولس. فأظهر أهل مالطا مزيدًا من الكرم نحو بولس وركاب السفينة.

من الجدير بالملاحظة في هذه القصة هو كيف كان بولس، في هذه الرحلة المضنية الخطيرة، سبب بركة لركاب السفينة ثم لأهل مالطا.

ربما كنا سنلتمس لبولس العذر إذا لم يُبدِ اهتمامًا بمن معه في السفينة أو بأهل مالطا؛ كانت الظروف قاسية والرحلة خطرة لدرجة تكفي ألا يفكر أحد إلا في مصيره الشخصي. ثم إن بولس كان ذاهبًا إلى روما للمحاكمة ولم يكن يعلم ماذا سيلاقيه هناك. فليترك هؤلاء الغرباء وشأنهم، يكفيه ما في جسده من إعياء وما يضغط على روحه ونفسه! لكن بولس لم يفعل ذلك. ولأنه كان شخصًا ممثلًا لله ويحمل الحضور الإلهي للأماكن التي يذهب إليها، فهو كان لديه موقف مختلف، ليس فقط تجاه الأقرباء بل حتى الغرباء وجميع الناس. وهكذا نحن أولاد الله يجب أن يكون لنا ذات الموقف تجاه جميع الناس. أذكُر ثلاثة أمور يجب أن تميز موقفنا نحو جميع الناس:

١- الاهتمام بخلاص جميع الناس

«مُخَلِّصِنَا اللهِ، الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (١تيموثاوس٢: ٣- ٤).

حسنًا أن نهتم ونصلي ونفرح لأجل خلاص نفوس المقربين منا، لكن عندما يكون لنا قلب المسيح سنهتم بخلاص نفوس كثيرة وسنفرح لخلاص حتى من لا نعرفهم أو من لم يستخدمنا الرب في الإتيان بهم إليه. لم يكن بولس يهتم بمن الذي يكرز بكلمة الله، وما هي دوافعهم، طالما في النهاية الذي يُنادى به هو المسيح «فَمَاذَا؟ غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ سَوَاءٌ كَانَ بِعِلَّةٍ أَمْ بِحَقّ يُنَادَى بِالْمَسِيحِ، وَبِهذَا أَنَا أَفْرَحُ. بَلْ سَأَفْرَحُ أَيْضًا» (فيلبي١: ١٨).

إننا نتقابل مع أشخاص كثيرين جدًا من ضمن “جميع الناس” الذين يريد الله لهم الخلاص. قد نقابلهم مرة واحدة في حياتنا، فهل نهتم بأمر أبديتهم دون النظر لخلفيتهم؟ «لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ، لِجَمِيعِ النَّاسِ» (تيطس٢: ١١).

لم يكن ليونان قلب يشفق على أهل نينوى، ولم يرغب في توصيل رسالة الله إليهم. الله يُشفق على جميع الناس ومتى كان لنا قلبه سنُصلي ونكرز بكلمة الله للجميع. في السماء سيكون هناك مؤمنون «مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ» (رؤيا٥: ٩).

اقرأ من فضلك رومية١٢ ولاحظ كيف تحدث عن اختبار مشيئة الله أولًا في دائرة الحياة الشخصية (ع١، ٢) ثم دائرة كنيسة الله (ع ٣-١٣) ثم دائرة جميع الناس (ع١٤-٢١)، حيث يقول «لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ. إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ» عندما يتسع القلب تتسع دوائر الخدمة والاهتمام.

وهذا يأخذنا إلى الفكرة التالية:

٢- رسالة المسيح لجميع الناس

«ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ رِسَالَةُ الْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا، مَكْتُوبَةً لاَ بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ اللهِ الْحَيِّ، لاَ فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ» (٢كورنثوس٣:٣).

قال أحدهم في تعليق على هذه الآية: كي تكون الرسالة مقروءة من جميع الناس، يجب أن تكون متاحة كالصحف والمجلات المعروضة على أرصفة الشوارع. إن الرب يسوع لم يكن فقط رجل الهيكل والمجمع، بل رجل البيت والسوق. ولم يكن فقط يعظ ويجري معجزات، بل يدخل في الحوارات العادية ويعرف لغة الناس، لا أقصد العبرية أو الآرامية، بل أقصد ماذا كان يشغلهم في ذلك الوقت، الأحداث الجارية والعادات المتبعة (لوقا١٣: ١-٥؛ لو٧: ٣١-٣٥).

لم يكن المسيح يدخل فقط بيوت المقرَّبين إليه مثل بطرس (لوقا٤: ٣٨) أو مرثا (لوقا١٠: ٣٨)، بل دخل بيت العشار لاوي (لوقا٥: ٢٩، ٣٠) ورئيس العشارين زكا (لوقا١٩: ١) ودخل بيت فريسي (لوقا٧: ٣٦) وبيت أحد رؤساء الفريسيين (لوقا٧: ٣٦).

«وَكَانَ جَمِيعُ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ يَدْنُونَ مِنْهُ لِيَسْمَعُوهُ» (لوقا١٥: ١).

يا تُرى، هل نحن متاحون بما يكفي للناس يا صديقي؟ وهل حياتنا رسالة مفتوحة لكل الناس تقرأ وتتعلم من هو المسيح؟

«مُظْهِرِينَ كُلَّ وَدَاعَةٍ لِجَمِيعِ النَّاسِ.» (تيطس٣: ٢).

٣- صُنع الخير لجميع الناس

الرسالة الأسمى والهدف الأول لنا كأولاد الله في هذا العالم هي خلاص النفوس. بدافع الحب نكرز بكلمة الله وبذات الدافع نقدِّم أعمال المحبة. كانت معجزات المسيح دليلاً على لاهوته ومصادقة على إرساليته، لكنها كانت أيضًا تعبيرًا عما في قلبه من حنو لجميع الناس.

«وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، جَمِيعُ الَّذِينَ كَانَ عِنْدَهُمْ سُقَمَاءُ بِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ قَدَّمُوهُمْ إِلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَشَفَاهُمْ» (لوقا٤: ٤٠)، «فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا جَمِيعًا» (لوقا٩: ١٧).

هذا ما يحرضنا عليه الكتاب «فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ. فَإِذًا حَسْبَمَا لَنَا فُرْصَةٌ فَلْنَعْمَلِ الْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ، وَلاَ سِيَّمَا لأَهْلِ الإِيمَانِ» (غلاطية٦: ٩-١٠).

أحب الله العالم، وتركنا في العالم كي نخبر جميع الناس بحياتنا وكلامنا من هو الله في المسيح يسوع.

صلِّ معي

سلمت نفسي في يديك

يا سيدي يسوع

قدني فتكلاني عليك

كي أخدم الجموع

عماد ثروت
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf