2017 148

طوبى للجياع والعطاش إلى البر

Bookmark and Share

بشرى سارة لكل شخصٍ غير راضٍ عن حالته الروحية!!

في أول موعظة للرب يسوع في العهد الجديد، والشهيرة بالموعظة على الجبل، يقدِّم المسيح الملك صورة لملكوته الروحي على قلوب مؤمنيه، ويبيِّن ما هي صفات رعايا مُلكِه.

والغريب أنه يطوِّب ويمتدح المساكين لا العظماء، والحزانى لا المسرورين، والجياع لا الشباعى!! فهل هي دعوة للزهد والتقشف وكره الحياة؟! بالتأكيد لا وألف لا!

الرب يسوع يتكلم عن المحتاجين إليه، الطالبين شخصه، الراغبين في ملكوت الله وبره. لا يتكلم عن مظاهر ومفاهيم مادية بل عن سجايا روحية.

وفي آية تأملنا هذه، يطوِّب الرب يسوع نوعية محدَّدة من الناس، تلك التي تشعر باحتياجها الشديد الداخلي إلى البر. أي اشتياقهم إلى عمل الله في المسيح لهم ولأجلهم.

والسؤال: لماذا شبَّه الرب هؤلاء المحتاجين إليه والمشتاقين إلى بره «بالجياع والعطاش»؟! وماذا قدَّم لهم المسيح؟

أولًا: ما هو الجوع والعطش إلى البر؟

١. الاشتياق لأمور إلهيه لا أرضية: وما أعظمه عطش واحتياج. الأخرون يعطشون إلى أمور أرضية، كل من يشرب منها يعطش أيضًا. أما أولئك فعطشهم إلى ما هو سماوي إلهي. هذا ما عبر عنه داود قائلاً «يَا اَللهُ، إِلهِي أَنْتَ. إِلَيْكَ أُبَكِّرُ. عَطِشَتْ إِلَيْكَ نَفْسِي، يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي فِي أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَيَابِسَةٍ بِلاَ مَاءٍ» (مزمور٦٣: ١).

٢. الاحتياج لغطاء البر الإلهي: غطاء يلبسه الإنسان الخاطئ، فيستطيع أن يظهر في حضرة الرب بلا لوم أو خجل؛ إذ أن أعمالنا لا تسترنا أمام الله، حتى ما يسمى بالأعمال الصالحة «وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا» (أشعياء٦٤: ٦). لقد أشتاق أيوب يومًا إلى هذا الستر فقال «فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ؟» (أيوب٩: ٢).

٣. الرغبة لحياة في رضا الرب: كلمة بِرّ تأتي من كلمه Right“” أي كل ما هو مضبوط وصحيح. لقد طلب داود من الله قائلاً «عَلِّمْنِي أَنْ أَعْمَلَ رِضَاكَ، لأَنَّكَ أَنْتَ إِلهِي. رُوحُكَ الصَّالِحُ يَهْدِينِي فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ» (مزمور١٤٣: ١٠).

٤. الإصرار على الشبع بالرب: فالجائع والعطشان لن يرضى بأي شيء بديل عن الطعام والشراب. وهكذا الجائع للبر أيضا ً لا يرضى أو يطلب إلا البِرّ، ولن يرضى بأي شيء آخر بديلاً عن المسيح وبرَّه وشبعه أيضًا.

ثانيًا: لأنهم يُشبَعون

لا يقول المسيح لأنهم سيشبعون، بل يُشبعون “الآن”.

١. يقول الرب يسوع «مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا» (يوحنا٦: ٣٥)، وأيضًا «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ «(يوحنا٧: ٣٧-٣٨).

٢. فمن يعطش لهذا البر لا بد أن يناله: لقد اشتاق العشار الخاطئ للاقتراب من الله، فجاء منكسرًا مصليًا قائلاً «اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ» فنزل إلى بيته مبررًا في الحال (لوقا١٨: ١٣). تمامًا عكس الفريسي المسكين الذي تفاخر بأنه ليس في احتياج من الله؛ فلم يأخذ شيئًا!! وهذا ما قالته المطوبة مريم «أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ» (لوقا١: ٥٣).

٣. أساس هذا البر وثمنهإن هذا البِرِّ ثمنه غالٍ، دفعه المسيح على الصليب «لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ» (٢كورنثوس٥: ٢١). وهو يقدَّم مجانًا بالإيمان لكل من يعطش ويطلبه «مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رومية٣: ٢٤). فطوبي لمن يجوع إليه؛ حتمًا سينال بالإيمان ليس شبعًا فقط من الرب بل ورؤيته أيضًا والتمتع به «أَمَّا أَنَا فَبِالْبِرِّ أَنْظُرُ وَجْهَكَ. أَشْبَعُ إِذَا اسْتَيْقَظْتُ بِشَبَهِكَ» (مزمور١٧: ١٥). لقد وعد الرب يسوع أن كل من يحبه ويشتاق إليه حتمًا سيراه «وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي» (يوحنا١٤: ٢١).

٤. لقد وعد الرب أتقيائه الطالبين وجهه والمشتاقين إليه في آخر العهد القديم بالقول «وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا» (ملاخي٤: ٢). وقريبًا جدًا سيأتي المسيح لأحبائه المشتاقين ليسكنوا معه إلى أبد الآبدين.

عزيزي.. لقد حزن الرب من شعبه عندما تركوه ليشبعوا من غيره، فقال «لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً» (أرميا٢: ١٣)؛ وكان هذا أيضًا اختبار الكثيرين المر، كسليمان الحكيم وأساف وغيرهم. لذلك أدعوك ألا تفعل مثلهم وتضيع عمرك في اللهث وراء السراب العالمي فلن يشبعك أبدًا. المسيح وحده هو خبز الحياة، بر الله، بل وأيضًا الماء الحي. والعيشة معه هي الحياة الأبدية بعينها، والأفراح التي لا تنقطع هنا وفي الأبدية. فهل تجوع وتعطش إليه؟! فإن كان ذلك كذلك فلك يا عزيزي هذا الوعد من فم المسيح «طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ» (متى٥: ٦).

إيليا كيرلس
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf