1995 14

النموذج الفريد . حياة الأتكال

Bookmark and Share
إن في الإنسان الطبيعي ميلاً للاستقلال عن الله، ورغبة في أن يعمل إرادته الذاتية، ويعيش حراً مستبعداً الله من حياته وتفكيره. وتزداد هذه النزعات الاستقلالية بصفة خاصة في مرحلة الشباب المبكر.

أما الرب يسوع المسيح كإنسان فقد كان مثالاً رائعاً للاتكال الكامل علي الله أبيه في كل مراحل حياته. إذ كان الله ملجأه، وقد تعلم أن يستند عليه ويتعلق به في كل الظروف. لذلك نسمعه يصلي في المزمور قائلاً « احفظني ياالله لأني عليك توكلت » ( مزمور 16: 1). وأيضاً « أقول للرب ملجأي وحصني إلهي فأتكل عليه » (مزمور 91: 2). إن أعظم تعبير عن الاتكال الكامل والاعتمادية المطلقة يظهر في حياة الصلاة التي عاشها المسيح كإنسان هنا علي الأرض. لقد وُجِدَ إنسان لم يفعل شيئاً واحداً طوال حياته بالاستقلال عن الله أبيه. وكان لسان حاله « نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني» (يوحنا 6: 38). وأيضاً « لايقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ماينظر الآب يعمل» (يوحنا 5: 19). كان الله له كل شئ من بداية مجيئه إلي العالم وولادته من المطوبة مريم. إذ نسمعه يقول في النبوة « لأنك أنت جذبتني من البطن جعلتني مطمئناً علي ثديي أمي عليك ألقيت من الرحم من بطن أمي أنت إلهي » (مزمور 22: 9، 01). وعلي الرغم من الظروف الصعبة التي أحاطت به والمكان الغريب الذي ولد فيه حيث كان « طفلاً مقمطاً مضجعاً في مذود ». محاطاً بكل أنواع التلوث والمخاطر التي تهدد حياته كطفل - لكن عينيه كانتا علي الله أبيه وليس علي المكان والظروف. فيقول بكل ثقة هادئة « أنت جذبتني .. أنت جعلتني مطمئناً ». وإذ يستودع نفسه بين يدي الآب المحب فإنه يشعر بالأمن والأمان، بالدفء والحنان.

في طفولته سمع هيرودس نبأ ولادته من المجوس، وهم علماء فلك، قد جاءوا من المشرق إذ رأوا نجمه. وكانوا يتساءلون أين هو المولود ملك اليهود؟. فاضطرب هيرودس وجميع أورشليم معه. وغضب فأرسل وقتل جميع الأطفال في بيت لحم وكل تخومها من ابن سنتين فما دون. لكي يضمن أن يكون من ضمنهم الصبي يسوع. تصور أيها القارئ العزيز ملكاً بكل قوته وجبروته يتصدي لطفل صغير من أسرة فقيرة. ماهي إمكانياته أو طاقته النفسية ليواجه هذا الملك الدموي. لكن العناية الإلهية ترفقت به وحفظته. فظهر ملاك الرب ليوسف في حلم قائلاً « قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلي مصر لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه. وفي هذه الأزمة عاش الطفل يسوع ذات الاختبار «»أنت جذبتني من البطن. جعلتني مطمئناً علي ثديي أمي. عليك ألقيت من الرحم من بطن أمي أنت إلهي ». وما أروع أن يستند الضعف البشري علي قوة القدير.

علي أن هذه الكلمة الجميلة «مطمئن» التي قالها بالارتباط مع ظروف ولادته وطفولته، والتي تعبر عن ثقته الهادئة في الله أبيه، نسمعها منه بعد ذلك في مناسبتين مختلفتين. ففي مزمور 4: 8 يقول « بسلامة أضطجع بل أيضاً أنام لأنك أنت يارب منفرداً في طمأنينة تسكنني». وقد انطبقت هذه الكلمات تماماً علي شخصه عندما كان في السفينة مع تلاميذه وسط العواصف والأمواج، عندما حدث نوء ريح عظيم وكان هو في المؤخر علي وسادة نائماً (مرقس 4 :38). في طمأنينة وفي سلام عميق ينبع من ثقته الشديدة في الآب المحب والقدير الذي بيده زمام كل شئ ويسيطر علي كل الأمور. بالمثل عندما كان يخرج ويبيت في الجبل الذي يدعي جبل الزيتون، في ذلك الخلاء المستوحش، كان هناك في طمأنينة باعتباره الساكن في ستر العلي الذي في ظل القدير يبيت ( مزمور 91: 1).

حاول اليهود عدة مرات أن يقتلوه. لكنه كان في هدوء عميق يجتاز في وسطهم ويمضي، ولم يتوقف عن الخدمة لحظة واحدة. بل كان شعاره « ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني مادام نهار يأتي ليل حين لايستطيع أحد أن يعمل » (يوحنا 9: 4). وعندما أراد أن يذهب إلي بيت عنيا ليقيم لعازر من الموت  اعترض التلاميذ قائلين « يامعلم الآن كان اليهود يطلبون أن يرجموك وتذهب أيضاً إلي هناك. أجاب يسوع وقال لهم أليست ساعات النهار اثنتي عشرة. إن كان أحد يمشي في النهار لا يعثر » (يوحنا 11: 8). بمعني أن عمر الإنسان محدد من الله. وطالما هو يسير في نور محضر الله وفي الخطة الإلهية فلا مجال للخوف من الناس. فالله هو الوحيد الذي بيده نسمة كل إنسان. لهذا كان دائماً مطمئناً.

أما المرة الثالثة التي نقرأ فيها كلمة «مطمئن» فنجدها بالارتباط مع موته ودفنه. وياللعجب !!. في مواجهة الموت، ملك الأهوال، نسمعه يقول « لذلك فرح قلب وابتهجت روحي. جسدي أيضاً يسكن مطمئناً. لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تدع قدوسك يري فساداً » ( مزمور 16: 9، 10). لذلك بذات الثقة الهادئة نراه فوق الصليب ينكس رأسه ويسلم الروح قائلاً «ياأبتاه في يديك أستودع روحي » (لوقا 23: 46 )
 
محب نصيف
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf