1995 14

عيسو أول توأم

Bookmark and Share
عندما نقرأ سفر التكوين سنقف مندهشين أمام قصة أول توأمين يذكرهما الكتاب المقدس. وهما عيسو ويعقوب اللذان ولدا من إسحق ورفقة (تكوين 25). كانا في بطن واحد وولدا في وقت واحد وتربيا في بيت واحد. لكن ماأعظم الفارق بين حياة وسلوك كل منهما ونهاية كل منهما وتقرير الكتاب عن كل منهما. يكفي أن نعرف أن الله يربط اسمه بيعقوب فيذكر عنه كثيراً «إله يعقوب» (مثال مزمور 46: 7، 11) بينما عيسو يقول عنه الله في آخر سفر في العهد القديم «أبغضت عيسو» (ملاخي1: 3). والآن لنقترب قليلاً من عيسو لنتعرف بشخصيته (تكوين 25 - 26).

مظهر خارجي جذاب
كان عيسو شاباً متين العضلات قوي البنيان جسمه ملئ بالشعر ولونه أحمر. لو كان في أيامنا لربما كان قد شارك في مسابقات كمال الأجسام أو المصارعة. ولاشك أنه كان سريع الحركة. يمكنه أن يفوز في مسابقة للجري لأنه كان يجري وراء الحيوانات في الأحراش أو الغابات إذ كان صياداً. ويبدو أيضاً أن عيسو كان شجاعاً جداً. ولقد سماه الكتاب «إنسان البرية». ولاشك أنه بسبب شغفه بصيد الحيوانات البرية كان يلتقي في كثير من الأحيان ببعض الحيوانات المفترسة وكان بسبب قوته وشجاعته يواجهها ويقضي عليها. ولابد أنه كلما رجع إلي بيته كان يحكي لأهله قصص بطولاته مما زاده غروراً واعتداداً بنفسه. كما أنه مولع بصنع الأطعمة مما يصطاده مما جعل أباه اسحق يحبه وربما ميزه عن أخيه يعقوب «فأحب اسحق عيسو لأن في فمه صيداً» لكني أري أن عيسو، بكل هذه المزايا، كان يعيش لنفسه ولساعته، كل تفكيره محصور في رغباته وشهواته يريد أن يلبيها في الحال، غير مهتم بما يترتب علي ذلك من نتائج وربما كان شعاره «لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت» 1 كورنثوس 15: 32. إنه جدير بأن يدعي «إنسان العالم» الذي يعد في نظر كثير من الشباب الآن نموذجاً رائعاً في كثير من النواحي البدنية والرياضية والاجتماعية ... لكن !!!

حالة داخلية فاشلة
رغم المظهر الخارجي الذي يوحي بالنجاح كان عيسو إنساناً فاشلاً مهزوماً. يصفه الكتاب في عبارة موجزة قائلاً «لئلا يكون أحد زانياً أو مستبيحاً كعيسو الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته» عبرانيين 12: 16. هذا هو تشخيص الله له والكتاب هنا يشير إلي القصة المذكورة في تكوين 25: 29 - 34 «وطبخ يعقوب طبيخاً فأتي عيسو من الحقل وهو قد أعيا فقال عيسو ليعقوب أطعمني من هذا الأحمر لأني قد أعييت. فقال يعقوب بعني اليوم بكوريتك. فقال عيسو هاأنا ماض إلي الموت. فلماذا لي بكورية ... فأكل وشرب وقام ومضي. فاحتقر عيسو البكورية.

كانت تحكمه رغبات
فهو لم يستطع أن يقاوم رائحة طبيخ العدس حتي ولو أدي ذلك إلي التخلي عن البكورية، لقد صارت بطنه إلهه إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم الذين يفتكرون في الأرضيات» (فيلبي 3: 19). لا مانع من أن يأكل الإنسان ليسد جوعه وليتمتع بصحة جيدة، لكن أن يصبح عبداً لبطنه فهو بذلك يفتح الباب أمام رغباته وشهواته لتتحكم فيه وتسيطر عليه. ياللأسف علي الشباب الذين يبدون بمظهر الأبطال ويحوزون إعجاب الدنيا كلها وهم في ذات الوقت عبيد للشهوة والخطية، يتم فيهم القول : «لأنهم إذ ينطقون بعظائم البطل يخدعون بشهوات الجسد في الدعارة من هرب قليلاً من الذين يسيرون في الضلال، واعدين إياهم بالحرية وهم أنفسهم عبيد الفساد. لأن ماانغلب منه أحدٌ فهو له مستعبد أيضاً» 2 بطرس 2: 18، 19

استبدل بركات الله بشهوات الجسد
لقد باع بكوريته مقابل طبق عدس، فقد كان «مستبيحاً» أي لايعطي لله أي اعتبار في حياته ولايقدر بركات الله علي الإطلاق. كان عيسو البكر بحسب المولد. وكانت للبكر امتيازات خاصة في العائلة اليهودية سواء في الميراث أو في امتيازاته الروحية. كان البكر هو كاهن الأسرة الذي يمثلها أمام الله (قبل مجئ الناموس) كما أنه كان يمثل حلقة في سلسلة النسب الذي سيولد منه المسيا، كما كان له الحق في وراثة المواعيد التي قطعها الله لإبراهيم (تكوين 12: 3). هذه كلها احتقرها عيسو، لأنها أمور روحية يمسك بها الإيمان. لقد انحصر فكره فى الماديات وظن أنه لن يعيش العمر الذي يتيح له التمتع بهذه كلها.  لقد قال «هاأنا ماض إلي الموت فلماذا لي بكورية» أو بلغة أخري «لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت»

احذر ياعزيزي القارئ من أن تبيع خلاص نفسك الأبدي بمايشبه طبق العدس ربما بغرور الخطية أو منفعة مادية أو شهوة دنية أو متعة وقتية.

«لم يجد للتوبة مكاناً»
يقول كاتب العبرانيين «فإنكم تعلمون أنه أيضاً بعد ذلك لما أراد أن يرث البركة رفض إذ لم يجد للتوبة مكاناً مع أنه طلبها بدموع» عبرانيين 12: 17.

مضي عيسو في طريقه غير مبال ببركات الله له ولم يندم علي بيعه للبكورية ولم يشعر بالخسارة الفادحة التي لحقت به. لم يكن في قلبه مكان للتوبة. ولما خدعه يعقوب أخوه وأخذ منه البركة كانت دموعه لدي إسحق أبيه لا دموع التوبة بل دموع الخسارة وضياع فرصة البركة، دموع من فقد فرصة العمر. لم يعرف عيسو التوبة. والتوبة هي تغيير الفكر والاتجاه والرجوع عن طريق الماضي. هذا لم يحدث معه فلا هو ندم علي ضياع البكورية منه ولا هو قدر بركات الله التي كانت مقدمة له لذا فقد البركة أيضاً ياله من مثال محذر وضعه الكتاب المقدس أمام كل شاب مستهتر يحتقر البركات الروحية الأبدية وينصب علي الملذات الجسدية الوقتية !!

فريد زكي
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf