1995 13

أخنوخ

Bookmark and Share
هل تعلم مَنْ هو الإنسان الأول الذي لم يَمُت؟
لقد ذُكرت قصته في سفر التكوين، أول أسفار الكتاب المقدس، وأنها لقصة - رغم قصرها - شيقة ومليئة بالتعاليم والدروس. ونقرأ في الأصحاح الخامس من سفر التكوين عن تسع شخصيات . يُذكر عن ثمانِ منهم أنهم عاشوا أعمارًا طويلة ثم ماتوا، لكننا نقرأ عن واحد منهم أنه لم يَمُت. هذا الشخص لا نعرف عنه الكثير، فلم يُذكر عنه سوى أربعة أعداد في سفر التكوين، وعددٍ واحدٍ في الرسالة إلى  العبرانيين (11: 5)، وعددين في رسالة يهوذا (ع15،14).
إنه أخنوخ
تعالوا نقرأ معًا ما جاء عنه في تكوين5: 21-24. «وعاش أخنوخ خمسًا وستين سنة وولد متوشالح. وسار أخنوخ مع الله بعدما ولد متوشالح ثلث مئة سنة وولد بنين وبنات. فكانت كل أيام أخنوخ ثلث مئة وخمسًا وستين سنة. وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه».
أخنوخ معنى اسمه تكريس، و قد كان اسمًا على مُسمَّى. ويتضح هذا في النقاط الثلاث التي سنذكرها عنه.

سار مع الله

عاش أخنوخ وسط جيل شرير وفاجر اتصف بالتمرد على الله والعصيان العلني عليه. كان الناس يفعلون الشر بكثرة. كانوا مُنغمسين في الدنس والنجاسة، كما أنهم كانوا قُساة وظالمين ولذلك دانهم الرب بعد ذلك بالطوفان الذي أهلكهم جميعًا. عاش أخنوخ وسط هذا الجيل الفاسد لكنه انفصل عنهم إذ التصق بالرب، وقيل عنه مرتين في سفر التكوين: سار مع الله. لا شك أنه لم يكن أمرًا سهلاً على أخنوخ أن يجد الشر متزايدًا والناس الفجار هم الأكثرية حوله. لكنه رغم ذلك سار مع الله. وهو يقدم لنا كشباب نموذجًا حيًا في هذا الأمر. فكثيراً مايشتكى الشاب المؤمن من صعوبة الوسط المُحيط به فى المدرسة أو المعهد أو السكن، ويعتبر أن هذا عذر له فى عدم تمكنه أن يحيا حياة الأمانة والتقوى. أما أخنوخ فلقد سار مع الله رغم كل المعطلات المُحيطة به.

ربما تسألني: ما معنى السير  مع  الله ؟ أنى أعتقد أنه يعنى وجود توافق بين الشخص وبين الرب. وطبعًا لابد أن يسبق هذا قبول المسيح بالإيمان في القلب، إذ أنه بدون هذه الخطوة أكون بعيدًا عن الرب، لكن إذ أقبله أنال طبيعة جديدة تمكني من الشركة مع الرب والتلذذ بالعشرة معه وطاعته. والسير مع الله يأتي نتيجة فرص الخلوة اليومية في قراءة الكلمة والصلاة، ومن خلال هذه الفرص أستطيع أن أعرف ما الذي يُسِّر الرب ويُرضيه حتى أفعله، وأيضًا ما الذي لا يحبه ولا يفرّحه فأتجنبه وأبتعد عنه. وأخنوخ سار مع الله يومًا فيومًا طوال حياته واستمرت تلك المسيرة ثلاث مئة سنة ولا شك أنه لم يشعر خلالها بضجر أو سأم، بتعب أو ندم. ما أكثر بركات السير مع الله.

يوسف سار مع الله فحفظه الله. دانيال سار مع الله فكان أمينًا لله. وكذلك أخنوخ سار مع الله فرافقه الله. لقد عاش أخنوخ حياته في الحضرة الإلهية. ألا تشتاق صديقي الشاب أن تسير مع الله كل يوم من أيام حياتك؟

أرضى الله

يقول كاتب العبرانيين عن أخنوخ إنه «قبل نقله شُهد له بأنه قد أرضى الله». ومَنْ هو الذي شَهد له؟ الله - لقد شهد له بأنه حاز رضاه.
أعزائي : إن  أهم  شيء  في  الحياة هو  أن  نُرضي  الرب، هذا أهم بكثير من رضى الناس.

لقد صلى داود «علمني أن أعمل رضاك لأنك أنت إلهي» (مزمور143: 10) كيف استطاع أخنوخ أن يرضي الله؟ بالإيمان، لأنه «بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه..» (عب11: 6) آمن أن الله موجود، وأنه يُجازي الذين يطلبونه.

كان الرب نصيبه ورفيقه وحبيبه وربما كان يردد كلمات تُشبه التي قالها داود بعد ذلك «جعلت الرب أمامي في كل حين لأنه عن يميني فلا أتزعزع» (مزمور16: 8).

أعزائي الشباب : هل أدركتم أن أعظم هدف يسعى إليه المؤمن هو أن ينال رضى الرب وأن يشهد له الرب أنه قد أكرمه ومجَّده في حياته؟. لقد شهد الله لكثيرين من الرجال الأتقياء في عصور مختلفة :

شهد عن أيوب بقوله «ليس مثله في الأرض رجل كامل ومستقيم».

وشهد عن داود بقوله «وجدت داود بن يسى رجلاً حسب قلبى».

  وشهد عن دانيال إذ أرسل له قائلاً «أيها الرجل المحبوب»
لنطلب من الرب أن يزيد إيماننا وثقتنا فيه في كل الظروف حتى نستطيع أن نُرضيه.

نقله الله
«ولم يوجد لأن  الله أخذه» يقول كاتب

الموت ولم يوجد لأن الله نقله» (11: 5).
عاش أخنوخ وكأنه لم يكن من سكان الدنيا. عاش وكأن رأسه في السماء ورجليه على الأرض. عاش مع الله رغم كونه بين البشر. لقد توطدت علاقته مع الرب يومًا فيومًا حتى أنه اشتاق جدًّا ليكون معه هناك في سماه. وتولَّد في قلبه إيمان بأن الرب يستطيع أن ينقله حيًا دون أن يموت. لا شك أن الشكوك هاجمته عن كيفية حدوث هذا. فجميع مَنْ كانوا قبله ماتوا ولم يحدث من بداية التاريخ أن شخصًا لم يَمُت، لكن إيمان أخنوخ انتصر على كل الشكوك وصدَّق كلام الرب له رغم المنطق والعيان، وجاءت اللحظة ونقل الرب أخنوخ حيًا إليه.

أحبائي  الشباب .. إن ماحدث مع أخنوخ سيحدث أيضًا قريبًا جدًّا مع جميع المؤمنين الأحياء عند مجئ المسيح الثاني. يقول الرسول بولس «هوذا سر أقوله لكم لا نرقد كُلنا لكننا كُلنا نتغير في لحظة في طرفة عين ..» (1كو15: 52،51) هل ستكون يا صديقي من ضمن هؤلاء الذين سيُخطفون أحياء لملاقاة الرب في الهواء؟   

فريد زكي
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf