1997 28

وداعــــــــــاً يا زهــــــرة انجلتـــــرا

Bookmark and Share
  وداعاً يا زهرة انجلترا. يا ملكة القلوب. كنت أروع مثال للإنسانية والحب . يا شمعة انطفأت قبل الأوان بوقت طويل.لقد أضفت لحياتنا سعادة غامرة مع أنك عشت فقط نصف حيا.إننا نحبك يا ديانا وسنظل نذكرك دائماً.

بهذه الكلمات وغيرها ودع الشعب البريطانى أميرتهم المحبوبة وسط طوفان من الدموع والمشاعر الجارفة الصادقة. ويسوغ القول إن قلب بريطانيا كان يخفق وهى تودع الأميرة.  لقد تمتعت ديانا بإعجاب شعبى غير محدود.  واهتمام إعلامى فريد حتى يوم رحيلها.

لكن ما الذى يعنينا نحن من ذلك؟  وهل يمكن أن نستخلص دروساً روحية نافعة من شخصية عالمية وتاريخية أثرت فى الناس بهذا الشكل؟  الجواب: نعم.  وسنرى من خلال حياتها القصيرة وموتها المفاجئ وجنازتها الملكية دروساً مباركة نفعل حسناً إذا توقفنا عندها.

لطف الطبيعة البشرية :  لقد تحلّت ديانا بأفضل ما تجود به الطبيعة البشرية من خصائص إنسانية رائعة.   فقد جمعت الجمال والأناقة، الجاذبية والرشاقة، المرح واللباقة، الغنى والبساطة.  لقد اهتمت بالأطفال والمرضى والمعوقين والفقراء،  فساهمت فى مشروعات لخير الإنسانية وتخفيف المعاناة؛ لهذا كان طبيعياً أن تُحَب وتحظى بهذا الأعجاب الشعبى.

إنها تذكرنا بشخص آخر فى الكتاب المقدس هو ذلك الشاب الغنى الذى أتى إلى يسوع باحترام وجثا له وسأله أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية.فنظر إليه يسوع وأحبه (مرقس 10: 21).

  ولماذا أحبه؟ لأنه رأى فيه بشكل متميز لطف الطبيعة البشرية؛  أدبيات وذوقيات وصفات إنسانية تُحَب.  والرب لم يتجاهل هذه الصفات.  لكن لهذا الشاب الغنى المهذب قال الرب يسوع «يعوزك شئ واحد»  وهذا ما كان يعوز الأميرة ديانا، ويعوز الكثيرين أيضاً؛ إنه أهم شئ فى الحياة، «فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه»  فلا قيمة لكل الفضائل الإنسانية بدون المسيح ومعرفة المخلص. وأنت قد تمتلك بعض المزايا التى تجعلك محبوباً ولكن يظل يعوزك هذا الشئ الواحد أن تمتلك المسيح وتقبله بالإيمان.

البئر عميقة: لقد امتلكت ديانا كل مسببات السعادة إنسانياً من غنى وجمال ومركز وشهرة وحب الجماهير.  لكنها كانت غير سعيدة على الإطلاق.  لقد عاشت بقلب كسير معظم حياتها.  كان فراغها عميقاً ، ازداد شعورها به مع الأيام بسبب مقوماتها الإنسانية العالية.  ومثل السامرية (يوحنا 4) كانت بئرها عميقة، وسلكت عدة سبل للملء دون جدوى. ظنت أن الزواج من ولى العهد سيسعدها، لكنها سرعان ما اكتشفت عكس ذلك.  ظنت أن التحرر من قيود القصر والملكية سيسعدها، لكنها اكتشفت عكس ذلك.  مرت بمرحلة اكتئاب وفكرت فى الانتحار رغم كل ما تمتلكه.

أليس هذا ما قاله الرب يسوع للسامرية «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً»  وما قاله الحكيم «الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس» (جامعة 2: 11).  يقيناً لو قرأت ديانا سفر الجامعة ولقاء الرب مع السامرية، لكانت قد عرفت الطريق الوحيد للسعادة الحقيقية والإرتواء الحقيقى.

صنع الخير وإظهار الحنان:  قدمت ديانا بعض الحب والعطاء لخدمة البشرية. وهذا نال تقدير العالم كله وإعجابه.  مع أن ما قدمته فى الحقيقة لم يكلفها سوى القليل من الجهد والوقت.

فماذا نقول عن شخص ربنا يسوع المسيح الذى بدماه علّم الدنيا العطاء.  راضياً ضحى غناه حتى يغنى الفقراء.  لقد مسح الدمع السكيب من عيون البسطاء، نازعاً حزن الحزانى، زارعاً فيهم عزاء. غافراً كل الخطايا، شافياً من فيه داء.  لقد جاء لكى يَخْدِم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين، ومع ذلك «ما أحد ذكر ذلك الرجل المسكين» (جامعة9: 15 ).

عاقبتها طرق الموت:  فى السنوات الأخيرة تخبطت، للأسف، فى علاقات خاطئة ما كانت تليق بها كأميرة. لكنه الإنسان فى ضعفه وفشله وفساده مهما علت مكانته.  فإن «للنفس الجائعة كل مر حلو»  وتبقى الحقيقة المؤلمة التى يسجلها الكتاب أن «نهاية تلك الأمور هى الموت»  (رومية 6: 21). وكانت هذه هى النهاية المأسوية للأميرة.  فليكن الله صادقاً وكل إنسان كاذباً.

حكومة الله البارة:
  قد يترك الله الإنسان زماناً متمهلاً عليه، محتملاً جهالة تصرفاته، مظهراً له لطفه وأعمال عنايته عبر السنين.  لكن عينيه تلاحظانه وتراقبان طرقه.  وفى اللحظة المناسبة سيتدخل بشكل أو آخر فهو صاحب السلطان المطلق.  ولا يمكن تجاهل إصبع الله فى هذا الحادث.  فهو له الكلمة الأخيرة وبيده نسمة كل إنسان.

الموت عدو لا ينذر:  بينما كانت ديانا لها أحلام وآمال تفكر فى مستقبل جديد سعيد تنسى معه الماضى الأسيف، جاءت النهاية غير المتوقعة.  ويقيناً كان الموت أبعد ما يكون عن خيالها فى تلك الليلة.  إن هذا يذكرنا بما ورد فى دانيال 5 عندما وقع القضاء الإلهى الفورى على الملك بيلشاصر ممثلاً فى اليد الكاتبة على حائط قصره، فى ليلة لذته التى صارت له رعدة. وبينما هو فى قمة النشوة جاءه القضاء المباغت. وفى تلك الليلة قُتِل الملك (اقرأ أيضاً لوقا12: 16 ).

إن لم تتوبوا
:  هل كانت ديانا أكثر شراً وفجوراً من غيرها حتى تعرضت لهذا الحادث المروع؟  الجواب نسمعه من فم السيد فى لوقا 13،  عندما سألوا عن الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم، فأجاب يسوع «أتظنون أن هؤلاء كانوا خطاة أكثر من كل الجليليين لأنهم كابدوا مثل هذا؟  كلا: أقول لكم بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون.  أولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج فى سلوام وقتلهم.  أتظنون أن هؤلاء كانوا مذنبين أكثر من جميع الساكنين فى أورشليم؟ كلا: أقول لكم إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون»  إن مشكلة ديانا هى أن خطاياها كانت مكشوفة ومعروفة.  وربما الكثيرون يفعلون ما هو أشر وأبشع ولكن فى الخفاء.  لكن كل شئ هو عريان ومكشوف أمام الله.  إنه يعلم ما هو فى الظلمة وما يحدث بعيداً عن أعين الناس. وسيحضر كل عمل إلى الدينونة.

عند قبر ديانا:  إن من يقف متأملاً هناك كأنه يقف عند قبر راحيل الجميلة والمحبوبة التى ماتت فى شبابها، ودفنت فى طريق بيت لحم، وكأنه يقف عند قبر أبشالوم فى وادى قدرون. ذلك الفتى الجميل والممدوح جداً الذى من باطن قدمه حتى هامته لم يكن فيه عيب (2صموئيل14: 25).  لكنه مات معلقاً بأشجار البطمة العظيمة.إن هذه القبور تحمل ذات المعانى: كيف يطوى الموت الجمال والآمال والشباب والنضارة، الغنى والمراكز العالية. لقد ماتت ديانا فى ربيع العمر إذ عاشت 36 عاماً فقط.  وماذا تُحسَب سنوات العمر القصيرة بالمقابلة بالأبدية الطويلة.  إن تلك النهاية السريعة تذكرنا بمن طبق عليهم الغمر (الطوفان)، وقبض عليهم قبل الوقت.  وعند قبر ديانا ندرك ما قاله الكتاب «الكبير (فى المقام) مثل الصغير هناك والعبد حر من سيده»  وتجعلنا نقول مع داود «عرفنى يا رب نهايتى فأعلم كيف أنا زائل. إنما كخيال يتمشى الإنسان . يذخر ذخائر ولا يدرى من يضمها»  (مزمور39: 4-6).

الغفران:  لقد غفر الشعب للأميرة كل التجاوزات التى حدثت منها ولم يذكر لها سوى المواقف الحسنة. وهو موقف إنسانى وأخلاقى راق.  ولكنه غفران لا يستند إلى أى أساس من البر. أما الله فعنده استعداد ليغفر مهما كان الشر عظيماً، ويمحو كل الآثام ولا يعود يذكرها.  وهذا الغفران مؤسَّس على قاعدة من البر وليس الشفقة أو الرحمة. ذلك لأن المسيح قد دفع الحساب كاملاً فى الصليب وكل المطلوب هو التوبة الصادقة «ليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران» (إشعياء 55: 7).  إننا فى السماء سنرى من هم أشر بكثير من ديانا.  سنرى اللص القاتل، والسامرية، والمرأة التى كانت خاطئة فى المدينة، وقد وصلوا جميعاً هناك بالنعمة الفائقة بعد أن اغتسلوا بدم المسيح.

الجنازة الملكية:  كان وداع الأميرة فى جنازة تاريخية أسطورية.  لقد اشترك فى الجنازة نحو ستة ملايين نفس.  وشاهدها عبر الأقمار الصناعية أكثر من اثنين ونصف بليون شخص أى نحو نصف سكان العالم. إن الآلاف قد باتوا فى الشوارع وعلى الأرصفة ليحتفظوا بمكان حتى يتمكنوا من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة على نعش الأميرة الراحلة، وياله من وفاء.  لقد قدم الشعب باقات من الورود العطرية، قدرت قيمتها بأكثر من 85 مليون دولار تكريماً للأميرة.  وسار موكب الجنازة الرسمى وسط بحر من الورود محاطاً بحشود كبيرة من الجموع الغفيرة الذين ذرفوا عليها الدموع الغزيرة.

ترى ماذا كان موقف العالم من المسيح يوم كان بالجسد على الأرض؟  إن طريقه مر خلال الأشواك المؤلمة الجارحة وما أندر الورود التى صادفته فى رحلة الأشواك والآلام والرفض.

وإذا عقدنا المقارنة بين جنازة رب المجد وموكب جنازة الأميرة، سنجد أنه كان بسيطاً للغاية؛ فلم يشترك فيه الملايين ولم يحضره أحد من عظماء هذا الدهر.  ولم يُحَطْ بطوفان من الدموع.-  كلا؛ وإنما جاء يوسف الرامى مع نيقوديموس الذى أتى حاملاً مزيج مر وعود نحو مائة منا. وإن خلا المشهد من مظاهر الكلفة والعظمة والرسميات الزائلة.  لكن العواطف التى أحاطت به كانت غنية فى حبها، سخية فى وفائها.  وفى فراش من طيب عبق، وحوله ينتشر عطر الخمائل والورود فى البستان، ملفوفاً بكتان جديد ومنديل يخفى وخزات الشوك فى الجبين، وبينه وبين العالم حجر كبير قد وضع.  هناك رقد رب القيامة والحياة.  فى ظلام القبر وهو رئيس الحياة.

لكنه قام ناقضاً أوجاع الموت إذ لم يكن ممكناً أن يمسك منه! 

محب نصيف
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf