2001 48

غراب أم حمامة؟

Bookmark and Share

على إحدى الأشجار العالية وقف غراب متأمِّلاً ومفكِّراً، وهو ينظر إلى مجموعة من الحمام تطير أمامه، وبهدوء تنزل وتقف على الأرض.  وعلى الفور بدأ في عمل مقارنة بينه وبينها، ويقول لنفسه:

1. اللون: أنا أسود قبيح، والحمام أبيض وجميل.

2. الصوت: نعيقي(صوت الغراب) مكروه من الناس، وهديرها (صوت الحمام) هادئ وعذب.

3. السير: خطواتي تُشبه القفزات (النط) أكثر منها السير، وقليلاً ما أستمِر في مكان واحد.  والحمام يمشي بسلام وانتظام.

4. العواطف: أنا لا أعطف على صغاري وأتركها جياع (أيوب38:41)، ولا أهتم بتدريبها على الطيران.  والحمام يطير إلى صغاره ويفرّغ في أفواهها مما جمعه في حويصلته.

5. الحالة العامة: أخاف من أي شخص يقترب حتى من الشجرة التي أقف عليها، والناس تمشي وسط الحمام دون أن تحرك لهم ساكن.  وفي طيراني أراني دائماً وحدي، وهي تتحرك جماعات ...

وصمت برهة .. ثم ناجى نفسه قائلاً: مللت من نفسي .. أريد أن أكون حمامة .. لكن ماذا أفعل؟ 

تلفت يميناً ويساراً، وفجأة انفرجت أساريره .. "لقد وجدتها"..  هكذا نعق صائحاً، وطار ونزل على كومة من الجير الأبيض رآها بجانب الشجرة، ودفن كل جسمه فيها، فخرج وإذا لونه قد صار أبيض.  فنظر إلى نفسه مبتسماً وقال: "الآن أنا حمامة".  وسار بهدوء ودون أن يشعر به أحد دخل خلسة وسط الحمام، وحاول تقليد الحمام في كل ما يفعلوه.  أكلَ من أكلِهم وتمشى وسطهم، وكل ما يفعلونه يفعله مثلهم.  ولكن، حان وقت الرحيل ومالت الشمس للغروب وجاء وقت صعود الحمام إلى بيته، وكفريق واحد طار في الهواء، ودون أن يدري طار الغراب بينهم ضارباً بجناحيه في الهواء مثلهم، وفجأة سقط القناع:  طار الجير الأبيض من على جسده وظهرت الحقيقة.

صديقي .. صديقتي .. إننا بحسب الطبيعة نُشبه الغراب كثيراً.

اللون: «سوداء كخيام قيدار» (نشيد1:5)، والكوشي (الأسود) لا يستطيع أن يغيِّر جلده (إرميا13:23)، حتى وإن اغتسل في الثلج ونظف يده بالأشنان (الصودا الكاوية) (أيوب9:30).

الصوت: الحنجرة قبر مفتوح، واللسان ماكر، والشفاه تحتها سُم الأصلال (الثعابين) (رومية3:13). السير: الأرجل سريعة إلى سفك الدم، وطريق السلام لم يعرفوه (رومية3:15-17).

العواطف: بلا حنو ولا رضى ولا رحمة (رومية1:31).  وكم من حوادث نسمعها هذه الأيام تقشعر لها الأبدان عما يفعله الأبناء بوالديهم والعكس.

الحالة العامة: خائف وهارب من الله.  «(مال) كل واحد إلى طريقه» (إشعياء53:6).  

ولكن ما العمل؟  أخاف عليك أن تكون قد خدعت نفسك وخدعت الآخرين، ودخلت خلسة، وحاولت تقليد المؤمنين في أمور كثيرة.  إلى الكنيسة أول الذاهبين .. وفي الترنيم والصلاة من المتقدمين .. وألبست نفسك ثياب غيرك.  لكن عند مجيء المسيح لاختطاف المؤمنين، لن يطير إلا الحقيقيون، وسيظهر المراؤون.

صديقي .. ليتك تُعيد حساباتك من جديد وتقول للرب بصدق «اختبرني يا الله واعرف قلبي.  امتحني واعرف أفكاري» (مز139:23 ،24).

احتمِ في دمه فيخلقك خليقة جديدة .. وتصير أبيض من الثلج والصوف النقي. 

معين بشير
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf