2002 55

للأغبياء فقط

Bookmark and Share

عاش في قديم الزمان ملك عظيم، وكان لهذا الملك مهرج يثير ضحكاته بنكاته التي كان يطلقها وهو يتصنع السذاجة والبلاهة. وذات مرة عندما تصرف ذلك المهرج بمنتهى الحمق أهداه الملك طرطوراً، وطلب منه أن يظل مرتديه دائماً، حتى يرى يوماً شخصاً أكثر بلاهة وسذاجة منه، فيعطيه إياه.

مرت الأيام وهذا المهرج يرتدي دائماً طرطوره الذي أهداه إليه الملك، مظهراً بهذا أنه لم يكتشف بعد شخصاً أكثر سذاجة منه. وكان من آن إلى آخر يدخل إلى الملك ليقوم بتسليته، ولا سيما عندما يكون الملك مهموماً أو متضايقاً.

وفي ذات يوم أسرعوا إلى هذا المهرج طالبين منه سرعة الحضور إلى الملك، ولما ذهب إليه وجده في منتهى الخوف والاضطراب إذ شعر بدنو أجله وقرب ساعة موته. وكان يقول للذين حوله إنه لا يريد أن يموت هكذا سريعاً.   تدخل المهرج وحاول أن يُضحك الملك، وقال له: مولاي لماذا أنت خائف هكذا؟ 

أجابه: إني مسافر إلى الأبدية، ولا أعلم أين سأكون.

- مولاي ألم تفكر في تلك اللحظة قبل ذلك قط؟

أجاب الملك: كان عندي الكثير لأفكر فيه، وأما لحظة الرحيل فلم أفكر فيها قط، ولم أستعد لتلك الرحلة الأبدية.

- إذاً فأنت تقدم على رحلة أبدية ولا تعرف أين ستذهب ولم تستعد لتلك الرحلة مطلقاً؟

أجاب الملك: هذا هو حالي تماماً، ولهذا فإني في منتهى الفزع. وهنا خلع المهرج الطرطور الذي كان يرتديه، وقال للملك لقد أخبرتني ألا أتخلى عن هذا الطرطور حتى أجد شخصاً أكثر بلاهة وحمقاً مني، وإني يا مولاي لم أتمكن طوال سنين كثيرة أن أجد هذا الشخص، لكنني أخيراً وجدته. أنت يا جلالة الملك هو هذا الشخص الأبله الذي على وشك القيام بأخطر رحلة في الحياة، ولم يحاول يوماً ما طوال حياته أن يفكِّر فيها قط.

ولقد تحدث المسيح في لوقا 12: 16-20 عن شاب غني، كثرت الخيرات عنده واتسع عمله جداً، ففكر في نفسه قائلاً: ماذا أعمل؟  ثم قال: أهدم مخازني وأبني أكبر منها، وأقول لنفسي: «لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة».  وعبارة لسنين كثيرة توحي لنا بأن هذا الشخص كان لا يزال شاباً.  لكن الله قال له: «يا غبي، هذه الليلة تطلب نفسك منك، فهذه التي أعددتها لمن تكون؟». 

لم يكن غباء ذلك الشاب أنه كان متسعاً في عمله وناجحاً، بل غباءه أنه ظن أن الحياة ممتدة وطويلة.

وعلى العكس من ذلك قال موسى للرب: «إحصاء أيامنا هكذا علمنا فنؤتى قلب حكمة» (مزمور90: 12).  لاحظ أنه طلب أن يتعلم أن يُحصي أيامه لا سنيه.  فالحياة لا يجب أن تحسب بالسنين بل بالأيام.  

وطالما أن الحياة قصيرة فكم هو مهم أن نستفيد من كل دقيقة، ولا نضيع شيئاً من الوقت. وهو عين ما قاله الرسول بولس: «انظروا كيف تسلكون بالتدقيق، لا كجهلاء بل كحكماء، مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة» (أفسس5: 15 ،16).

يوسف رياض
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf