2010 101

مَـثَل العشاء العظيم

Bookmark and Share

سنتأمل الآن في مثل من الأمثال التي تظهر فيها نعمة ربنا يسوع المسيح.  فمن يتكلم عن النعمة سوي الذي جاء مملوءًا نعمة، والذي انسكبت النعمة على شفتيه.  إنه رجل النعمة الذي أراد إظهار غنى نعمته للإنسان فتكلَّم بأسلوب بسيط يفهمه عامة الناس وبتشبيهات من الحياة المألوفة والمعروفة للجميع.

عظمة العشاء: تعود العظمة هنا على الداعي للعشاء وليس على المدعوين الذين سنري الآن من هم.  فالإنسان الذي صنع العشاء صورة لله الآب الذي بذل ابنه الوحيد، والعبد الذي أرسله رمز للروح القدس الذي يجاهد مع اللإنسان ليقوده للمسيح، أما العشاء فهو صورة للمسيح الذي قال: من يأكلني (بالإيمان) فهو يحيا بي.  فالعشاء يملأ كل احتياج أوجدته الخطية في نفس الإنسان وقلبه وروحه.  وهو عشاء عظيم لأن الدعوة لم تكن لفئة معينة أو دين أو لون أو جنس بل لجميع الناس.

الدعوة لمن؟  نقرأ في الكتاب المقدس عن بعض الولائم التي استمدَّت عظمتها من المدعوين إليها.  فنقرأ مثلاً في دانيآل5 عن وليمة الملك بيلشاصر العظيمة، والتي لم يُدعَ لها إلا عظمائه الألف، وفي أستير5 عن وليمة أستير الملكة والتي لم تدعوا لها إلا الملك أحشويروش ونائبه هامان.  لكن في مَثَلِنا هذا نري الله في نعمته يوجِّه دعوته إلى أحقر الطبقات، والمتروكين من الناس، والمنبوذين من المجتمع الذين لا مكان لهم على الأرض: الجُدع والعُرج والعُمي.  اقرأ معي هذه الأقوال: «فانظروا دعوتكم أيها الإخوة أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد، ليس كثيرون أقوياء، ليس كثيرون شرفاء، بل اختار الله جُهَّال العالم ليخزي الحكماء واختار الله أدنياء العالم والمُزدَرَى وغير الموجود ليُبطل الموجود لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه» (1كورنثوس1: 26-29).  إنها دعوة جماعية: «تعالوا إليَّ يا جميع المُتعَبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم» (متى11: 28)، ودعوة فردية: «هكذا يقول الرب...  دعوتك باسمك أنت لي» (إشعياء43: 1).  فهل تلبي الدعوة، عزيزي القارئ؟

أعذار الرافضين: «ابتدأ الجميع برأي واحد يستعفون».  من هنا  نفهم أنه لم يكن في قلب أي واحد من المدعوين أن يذهب.  وكأن الجميع اتفقوا على عداء الداعي للعشاء وبُغضته؛ لذلك قرروا الاعتذار عن عدم الحضور.  وسنرى في الاعتذارات أنها، وإن كانت مشروعة، لكنها مزاعم واهية إذ كان يمكنهم الحضور لكنهم لم يريدوا.

العذر الأول: «إني اشتريت حقلاً وأنا مضطر أن أخرج وأنظره».  ودعونا نسأل هذا الرجل: هل يشتري أحد حقلاً ويدفع ثمنه دون أن يراه؟  وإن كان هذا قد حدث، فهل يذهب أحد للحقل في ظلام الليل ليعاينه وينظره؟  أ لم يكن من الأفضل تلبية الدعوة للعشاء ثم الذهاب في الصباح للحقل؟  إن هذا الرجل نموذج لمن يضع قلبه على الأرض والأرضيات، ويستحوز المال على كل انتباهه، ويتحوَّل قلبه ونظره عن الغنى الروحي والميراث الأبدي، ويحرم نفسه من السماء ومن فيها.  حقًّا «ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله» (لوقا18: 24).

العذر الثاني: «إني اشتريت خمسة أزواج بقر وأنا ماضٍ لأمتحنها».  عُذر يدل على محاولة تبرير رفض الدعوة وعدم الذهاب للعشاء، لأن البقر عادة يُستَخدم في حرث الأرض أو تشغيل سواقي المياه، وهذا وذاك لا يتم بالليل بل بالنهار.  ففي هذا الرجل نرى صورة للإنسان الذي يهتم بأعماله الزمنية
وتجارته ومكسبه وخسارته، ويهمل أمر خلاصه وحياته الأبدية ناسيًا قول الرب: «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟» (متى16: 26).

العذر الثالث: «إني تزوجت بامرأة فلذلك لا أقدر أن أجيء».  كان بمقدرة هذا العريس أن يأتي ومعه عروسه، لكنه حرم نفسه وحرمها معه.  إنها صورة
للاهتمامات العائلية ومسؤولياتها والأفراح الأرضية التي تلهي الإنسان عن أفراح السماء.

الأعذار والإهمال: أعذار ثلاثة، إن تأملناها مليًّا لا نجد فيها شرًّا أو خطية واضحة ومسيطرة على أحد ممن اعتذروا، بل على العكس فإننا نجد أنها أمورًا مشروعة وقد قدسها الله فهي: الزرع والتجارة والزواج.  فقد وضع الرب آدم في الجنة ليعملها (الزرع)، وقام الرب بنفسه بأول مراسم زواج في التاريخ بين آدم وحواء.  ولكن الخطية العظمى لهؤلاء هي أنهم أهملوا الدعوة.  لذا اقرأ معي هذا التحذير: «فكيف ننجوا نحن إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره قد ابتدأ الرب بالتكلم به» (عبرانيين2: 3).

الأعذار ومحبة العالم: عرَّف الرسول يوحنا العالم في هذه الأقوال: «لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم...  لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة...  والعالم يمضي وشهوته» (1يوحنا2: 15-17).  فالعالم هنا عبارة عن شهوة ثلاثية، ويمكن ربطها بالأعذار الثلاثة السابقة: فالأول خرج لينظر الحقل...  شهوة العيون.  والثاني مشغول بالشراء والبيع والتجارة...  تعظم المعيشة. والثالث مشغول بالزواج...  شهوة الجسد.

غضب رب البيت: وهنا يكفي أن نقرأ هذه الأقوال: «أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة.  ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب، تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة» (رومية2: 4، 5).

يوجد أيضًا مكان: لاحظ قصد الوحي هنا وهو يقول: يوجد مكان، ولا يقول: يوجد أماكن كثيرة، كما قالها الرب يسوع في يوحنا14: «في بيت أبي منازل كثيرة».  وكأنه يقول لك، صديقي القارئ: قد يكون المكان الأخير!  وهو ينتظرك، فهل تلبي الدعوة؟!
  يوجد لك مكان
يوجد أيضًا مكان
 حين يمتلي المكان
لقد فاتك الأوان
أبدًا ولا قبول
ليس يوجد مكان   اسمع الدعوة أسرع للفرح
وتعالَ يا صديقي تستَرِح
عن قريب سوف يُغلق ذا الباب
إن قَرَعت سوف تسمع الجواب
عند ذا ليس وصول
عند ذا تبكي ولا يمكن دخول 

معين بشير
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf