2005 74

أعطوني شمعة

Bookmark and Share

ولد چورچ وايتفيلد George Whitefield عام1714 في "جلوسستر" بانجلترا، والتحق بجامعة أوكسفورد عام 1732. ولقد شعر بالعطش الديني لعبادة الله منذ شبابه، فكوَّن مع تشارلس وچون وسلي ما سُمي بالنادي المقدَّس؛ وكان منهجهم محاولة عمل الأعمال الصالحة لإرضاء الله. وتباروا في القدرة على الصيام وحرمان أنفسهم من كل ما يحبونه لكي يخلص كل منهم من خطاياه. وللأسف الشديد فشل چورچ وايتفيلد في الحصول على السلام الإلهي. ورغم أنهم كانوا أذكياء جدًا، إلا أنهم لم يفهموا بالعقل الطبيعي معنى النعمة المكتوب عنها: «لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اَللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس2: 8-10). ولم يفهموا أن الأعمال الصالحة تأتي كنتيجة وثمر حتمي للإيمان الحقيقي بالمسيح وعمله الكفاري وليس العكس.

أنار الرب فكر وايتفيلد بالإنجيل، فكان أول من تغيّرت حياته في مجموعة النادي المقدس عام 1734، واختبر خلاص الرب يسوع وتم فيه المكتوب: «إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (2كورنثوس5: 17). وأصبح شماسًا في الكنيسة الإنجليزية، وبدأ يكرز بالمسيح في السجون هناك.

ذهب وايتفيلد ووسلي لچورچيا بالولايات المتحدة في رحلة كرازية، ولكنها كانت - للأسف - فاشلة كما ذكروا جميعاً. رجع بعدها وايتفيلد فوجد نفسه مفصولاً من الكنيسة الإنجليزية بسبب مشاركته لوسلي في الرحلة. وعندها بدأ وايتفيلد ووسلي خدمات الهواء الطلق في "بريستول"، ثم في كل إنجلتر. كان وايتفيلد موهوبًا جدًا، وكان الآلاف يتقاطرون ليستمعوا لكلمة الرب على فمه. في نهضة "كامبيوسلانج"، وعظ في أحد الأيام في الساعة 12 ظهرًا ثم 6 مساء ثم 9 مساء وبدأ عظته الرابعة في الساعة 11 مساء. وكان صوته يُسمع لمسافة بعيدة جدًا دون ميكرفون، على أنه كثيرًا ما كان بكاء الآلاف على خطاياهم يغطي تمامًا على صوته القوي. وقد وصل عدد الحاضرين في الهواء الطلق في بعض المرات لحوالي 100 ألف مستمع، وهذا كان أكبرعدد مجتمع معًا سجَّله التاريخ، في هذه الفترة منه، يسمع الكرازة، وكان وذلك قبل اختراع الميكروفون والدوائر التليفزيونية. لقد قال ديفيد هيوم (وهو عالم وفليسوف كبير في ذلك الوقت، كان معروفًا بكراهيته للمبشرين): إني أجد نفسي مدفوعًا أن أسير كل يوم أكثر من 20 ميلاً لأسمع چورچ وايتفيلد. ولقد ذهب وايتفيلد أكثر من 13 رحلة عبر خلالها المحيط الأطلنطي، حين كان السفر بالسفن خطير وطويل، وهذا يعني أن جملة ما قضاه من عمره في السفر البحري أكثر من سنتين (حوالي 782 يوم). وكانت خدمة وايتفيلد كالبنزين فوق النار الروحية التي كانت مشتعلة فعليًا في الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت. وقد أسّس جورج وايتفيلد أول ملجإ للأيتام في ولاية چورچيا وكان اسمه ملجأ بيت حسد.

ظل صوت وايتفيلد صوتًا كرازيًا قويًا يدوي ويبشِّر بالرب يسوع المسيح وعمله على الصليب وقيامته وخلاصه العجيب المجاني. ظل الصوت يدوي لمدة 43 سنة، منها 24 عامًا في بريطانيا، وحوالي 9 أعوام في أمريك. ويُقال إن متوسط عظاته كل أسبوع كان 10، وتقول بعض الإحصائيات المعتمدة في إنجلترا والولايات المتحدة إن وايتفيلد تكلم في حياته لما مجموعه حوالي 9 مليون مستمع، في وقت لم يكن فيه وسائل الإعلام موجودة كالراديو والتلفزيون والانترنت.

في عام 1770، وكان قد بلغ السادسة والخمسين، في "نيو بري بورت" في ولاية "ماساتتشوستس" بأمريكا وقد أرهقته هذه الأعمال الجبارة، وقبل موته بساعات قليلة، وعظ لمدة ساعتين لجمع غفير من الناس في الهواء الطلق. وبينما هو يتناول العشاء في تلك الليلة، جاء أكثر من ألفي مستمع، واقتحموا المنزل طالبين أن يسمعوا صوت وايتفيلد، فقال لهم: "أنا متعب، ويجب أن أذهب إلى الفراش. أعطوني شمعة". وأخذ شمعدانًا ووضع به الشمعة المشتعلة، وصعد السلم إلي حجرة نومه. ولكن منظر الجموع التي ملأت الصالة والشارع وهي تنتظر صابرة، كان أعظم من أن يحتمله وايتفيلد؛ فلم يستطع ألا يلبي احتياج النفوس للارتواء من الماء الحي وسماع بشارة الإنجيل المفرحة أبديً. فوقف علي السلم، وابتدأ يخاطبهم، وبدون تفكير في تعبه، أخذ يعظهم ويحذرهم من العيشة في خطاياهم، وصار يتضرع إليهم ويدعوهم لقبول المسيح مخلِّصًا وفاديًا، ويحثّهم في حماسة منقطعة النظير، مرة بعد الأخرى؛ إلي أن احترقت الشمعة التي في يده وذابت بتمامها، وكأن في هذا رمز لأنه في تلك الليلة تركت روحه الملتهبة جسده المتعب، ورجعت إلي الله مع المسيح في الفردوس.

صديقي القاريء العزيز صديقتي القارئة العزيزة لقد كان چورچ وايتفيلد بحق مثلما قال الرب يسوع: «السِّرَاجَ الْمُوقَدَ الْمُنِيرَ وَأَنْتُمْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَبْتَهِجُوا بِنُورِهِ سَاعَةً» (يوحنا5: 35). فهل حياتك تنير للآخرين أم تعثرهم في ظلام الخطية والشهوات؟ أدعوك أن تأتي للرب يسوع لتتمتع بالنور الحقيقي هنا، وعندما ينير قلبك ستكون شمعه في هذا العالم المظلم، وتتمتع معه في السماء هناك. فهل تلبّي صوت الرب وتصلّي معي:

صلاة: أيها المسيح القدير ، يا مَن سُمِّرتَ لأجلي بالمسامير .. أعترف لك أني شرير فغيّر قلبي الضرير.. ليتحول إلى قلب منير يهتدي بنورك في المسير. آمين.

زكريا استاورو
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf