2006 81

نطحة وكارت أحمر

Bookmark and Share

أنهي نجم منتخب فرنسا لكرة القدم، زين الدين زيدان، مسيرته في الملاعب بأسوأ طريقة ممكنة: نطحة وكارت أحمر· طرده الحكم الأرجنتيني هوراشيو ايليزوندو في الدقيقة 110 من مباراة منتخب بلاده ضد إيطاليا في برلين، في نهائي مونديال ألمانيا 2006؛ لنَطحِهِ مدافع إيطاليا ماركو ماتيراتزي· وكان زيدان قد أعلن أن المونديال الحالي سيشكِّل نهاية مسيرته في الملاعب دوليًا· فبئس ما أنهيت به حياتك الكروية الحافلة يا زيدان!

يُعَدُّ زيدان أسطورة في تاريخ الكرة الفرنسية؛ فقد قاد زيدان، البالغ من العمر الآن 34 عامًا، منتخب بلاده إلي الفوز بكأس العالم للمرة الأولى في تاريخها - في النسخة التي استضافتها فرنسا عام 1998 - وتحدِيدًا عندما سجَّل هدفين من الثلاثة في مرمي البرازيل في المباراة النهائية· وأتبعه بكأس أمم أوروبا عام 2000 على حساب الطليان· كما حصل على جائزة أفضل لاعب في العالم عدة مرات أعوام 1998 و2000 و2003 حسب تصنيف الفيفا· كما فاجأ جميع المراقبين عندما صوِّتَ له كأفضل لاعب في الخمسين سنة الماضية في القارة الأوروبية·

زيدان والنهاية الخاطئة

أبلى زيدان حسنًا في الملاعب طيلة حياته الكروية، منذ بدايته في نادي "كان" الفرنسي مرورًا بأندية بوردو، اليوفنتوس الإيطالي، ثم ريال مدريد الأسباني الذي ما زال اللاعب منتسبًا له· وقد أجاد طوال مباريات منتخبه في المونديال حتى وصل به إلى المباراة النهائية· ثم كَرَّ وفَرَّ، وصالَ وجالَ، طوال 110 دقيقة في المباراة الأخيرة في المونديال، وفي حياته الدولية· ثم بووم···! نطحةٌ للاّعب الإيطالي، قبل النهاية بعشر دقائق، تسبَّبَت في طرده خارج الملعب وخسارة فريقه· سيظل الجميع يذكرون هذه النهاية السيئة التى تسبَّب فيها اللاعب لنفسه، مهما كانت المبررات، ومهما قُدِّمت الاعتذارات·

من منا لا يحب النهايات السعيدة! والكتاب المقدس يخبرنا أن نهاية الأمر خيرٌ من بدايته وطول الروح خيرٌ من تكبُّر الروح (جامعة7: 8)· وكان الأمر سيكون أفضلَ بكثيرٍ لو أن زيدان أكمل المباراة بشكل طيب، كما بدأها، وخرج ظافرًا مرفوعَ الرأسِ، بدلاً من خروجه مطرودًا خاسرًا·

غير أن الأهم هو أن الكثيرون يبدأون حياتهم الروحية بشكل طيّب، ثم يتراجعون إلى الوراء· نراهم في البداية يَجِدّون ويجتهدون ويحرصون ويهتمون؛ فتظهر فيهم أفضل الصفات، ويقدِّمون أجمل الخدمات، فنتوقع لهم أعظم التوقعات· ثم·· قليلٌ من التهاون والإهمال، مع بعض الكسل والرخاوة، وجرعة من الكبرياء وحب الذات، مضافًا إليهم شيئًا من الاندفاع والتهور، مع كيل من محبة العالم ومطاوعة رغبات الجسد·· فتكون النتيجة أن الذين بدأوا حسنًا لم يكملوا· مثل هؤلاء خاطبهم الرسول بأسف «كنتم تسعون حسنًا، فمَن صدَّكم؟» (غلاطية5: 7)· لقد كان الرسول العظيم بولس يفضِّل أن يموت عن أن تتعطَّل مسيرته الصحيحة وخدمته «خير لي أن أموت من أن يعطِّل أحد فخري» (1كورنثوس9: 15)، لذا كان حريصًا أن يقمع جسده ويستعبده، ويسلك بخوف ورعدة ويحرص أن يكون مَرْضيًا أمام الله· لذا حقَّ له في النهاية أن يقول «جاهدتُ الجهادَ الحسن أكملتُ السعي» (2تيموثاوس4: 7)، أكمل ما كُلِّف به من الله غير منقوصٍ· فلنتمثل به كما هو بالمسيح· ولنتذكَّر دائمًا أن العبرة بالنهاية!

زيدان والخسارة الفادحة

خسر زيدان كثيرًا بتصرّفه الأهوج هذا· والسبب أنه لم يتمكَّن من ضَبط نفسه أمام استفزازات اللاعب الإيطالي، الذي اعترف أنّه تكلَّم بالسوءِ ضد زيدان وأسرته·

صديقي·· دعني أسألك: ما هو موقفك إن استفزّك واحد؟ إنها أحد شراك إبليس الأشهر بالنسبة للشباب، فعلينا أن نتعلم ضبط النفس· يُخبِرنا الحكيم أن «مالك روحه خير ممن يأخذ مدينة» (أمثال16: 32)؛ لذا صديقي، أن كنت مالكًا روحك، بعمل الروح القدس فيك الذي يمنحنا القدرة على ذلك، فأنت خير من زيدان الذي يستطيع بملايينه شراء مدينة (إذ يبلغ دخله السنوي ما يقرب من 15 مليون يورو) لكنه ما استطاع ضبط نفسه·

وحري بمن يريد الجعالة (أو المكافأة) أن يضبط نفسه في كل شيء، ليس أمام الاستفزازات فحسب، بل تجاه الرغبات والمغريات والمعطلات أيضًا· هكذا قال الرسول آخذًا مثلاً بالرياضيين الذين يركضون في الميدان لكي يربحوا جائزة، أو إكليلاً، يفني؛ فعليهم أن يضبطوا أنفسهم أمام عشرات الأمور، وينكروا رغباتهم، ويتخلّصوا من كل ما يعوّقهم، لأجل جائزتهم· فكم بالحري من يجاهدون لأجل أسمى الغايات، عليهم أن يضبطوا أنفسهم في كل شيء·

لذا فلننسى ما هو وراء، ولنسعى إلى ما هو قُدَّام، ولنسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العُليا في المسيح يسوع· فلنسلك السلوك المرضي الصحيح أمام الله، لئلا نخسر الجعالة· خسر الفرنسيون الميدالية الذهبية، وخرج زيدان مطرُودًا، فلم يستلم حتى ميداليته الفضية· ويخبرنا الكتاب بوضوح أنه «إن كان أحد يجاهِد، لا يُكلَّل إن لم يُجــاهد قــانـونيًا» (2تيموثاوس2: 5)·

ليتنا نحترص أن نكون مرضيين عنده، لئلا نخسر المكافأة، والأهم: لكي لا نخجل منه في مجيئه· 

باسم رشدي
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf