2003 64

اتعلم المسيح ... وخليك كبير

Bookmark and Share

من الحكايات الطريفة التي تُروى عن الجيش الأمريكي، حكاية مجنَّد حديث العهد بالجيش، كان يكنس طريقًا في إحدى الثكنات، فمرّ به رجل يرتدى بزّة عسكرية، فناداه المجند: أيها الزميل، ساعدني في رفع هذا الصندوق جانبًا لو تكرّمت.

استجاب الرجل ذو البزة العسكرية، فشكره المجند.. ومضى الرجل في طريقه. وما أن ابتعد قليلاً حتى أقبل جندي آخر جاحظ العينين من الدهشة والخوف،، وقال للمجند: ما هذا الذي فعلت؟!! هل تعلم مْن هو الذي ساعدك في حمل هذا الصندوق؟!!

قال المجند: لا

فقال المجند الآخر: إنه الجنرال برشنج.. القائد الأعلى للقوات العسكرية.

بُهت المجند... وأسرع يجري ليلحق بالجنرال، وقال له معتذرًا: يا سيِّدي الجنرال... سيِّدي الجنرال... أنا آسف... أنا آ سف جدًا... لا تؤاخذني يا سيدي، فلم يمضِ علِّي في الجيش سوى بضع ساعات، والبزة العسكرية في عيني سواء كلها، ولا أستطيع بعد أن أُميّز بين الرتب العسكرية المختلفة.. فأرجوك يا سِّيدي أن تغفر لي.

ابتسم القائد، وربَت على كتف المجند برقة وعطف، وقال له: هوّن عليك يا ابني ولا تخف.

ثم سكت الجنرال برهة، وبرقت عيناه، وانحنى بقامته الممدودة نحو المجند، وعاد يقول بهدوء، وبصوت منخفض ضعيف: ولكن اسمع نصيحتي يا بني، ولا ترتكب هذه الغلطة مع أحد من الضباط الملازمين الصغار.

وعلق راوي القصة فيقول: وقد أعجبتني هذه القصة لأني حين أعود بالذاكرة إلى أيامي الخوالي، أجد أن أكثر ما لقيته من المتاعب إنما جاءني من الضباط الصغار.

أيها الأحباء.. إن الكبار - أدبيًا وروحيًا - هم الذين يتصفون بالوداعة والتواضع، والمحبة وطول الأناة، والبساطة، والرقة في التعامل مع الآخرين، بِغَضّ النظر عن مواقعهم في الحياة. وهم الذين لا يُرضوا أنفسهم بإصرراهم بأنانية على حقوقهم، بل بالحري يتعاملون مع إخوتهم الضعفاء بلطف واعتبار، ولا يتصيدون لهم الأخطاء، بل ويلتمسون لهم الأعذار. وفي ذلك يقول الحكيم: «ولا تَقُلْ: كما فعل بي هكذا أفعل به. أَرُدّ على الإنسان مثْلَ عمله» (أمثال 24: 29).

أما صغار الناس - الصغار أدبيًا وروحيًا - فهم علي النقيض من ذلك، فإن غيرتهم علي منزلتهم، وكبريائهم، وغطرستهم، هي دائمًا على قدر نصيبهم من القلة والصغر والاهتمام بتوافه الأمور.

وكلمة الله تعلمنا أن«المحبة تحتمل كل شيء» (1كورنثوس13: 7). والمحبة التي تحتمل كل شيء تفعل أمرين:

  1. تغفر الإساءة (متى 18: 21-33؛ رومية 12: 17-21).
  2. تستر العيوب وكل الذنوب (أمثال10: 12؛ 1بطرس4: 8).

وكلمة الله تُعلّمنا أيضًا أن الواجب، الذي تمليه المحبة على الأقوياء روحيًا، هو أن يحتملوا أضعاف الضعفاء ولا يُرضوا أنفسهم، «فيجب علينا نحو الأقوياء أن نحتمل أضعاف الضعفاء، ولا نُرضي أنفسنا. فليرُضِ كل واحد منِّا قربيه للخير (أي خيره) لأجل الُبنيان (بنيانه)» (رومية15: 1،2).

ومثالنا الكامل في هذا هو ربنا المعبود الذي تميَّز بمشاعر إنسانية رقيقة وسامية. إنه الشخص الوديع والمتواضع القلب الذي خَلَت حياته من كل خشونة. قَطّ لم يجرح أحدًا، مع أنه تعرَّض لكل أنواع التجريح، ولكنه «إذ شُتم لم يكن يشْتمُ عوضًا، وإذ تألّم لم يكن يُهدِّد بل كان يُسلِّم لمْن يقضي بعدل» (1بطرس2: 23). كان يحس بمشاعر الآخرين ويقدّر ضعفهم وصغر نفوسهم، وكان يرفق بكل عاثر أو ساقط، وكان يحنو بكل عانٍ سقيم، متأنيًا ومترفقًا بالجميع، إنه المكتوب عنه: «قصبة مرضوضهً لا يقصف، وفتيلةً مُدخِّنةً لا يُطفئ» (متى12: 20)

وتأملوا معي - أيها الأحباء - كيف أحب المسيح تلاميذه؟ وكيف أظهر محبته لهم؟ أليس بطرق كثيرة من بينها احتماله إياهم في أخطائهم وجهالتهم وعدم أمانتهم؟ ألم يظهرها في شفقته عليهم وسهره الدائم في العناية بهم؟ ألم يخدمهم في جميع النواحي وفي كل الظروف وبكل الطرق؟

إذًا ما معنى أن نحب بعضنا بعضًا كما أحبنا هو (يوحنا13: 34 ؛ 15: 12)؟ أليس باتخاذه مثالاً لنا (1بطرس2: 20-23؛ متى 11: 28-30). ولكن آه، ما أبطأ قلوبنا في تعلِّم هذا!

 يقول الكتاب: «فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات، ولطفًا وتواضعًا، ووداعة، وطول أناة، محتملين بعضكم بعضًا، ومسامحين بعضكم بعضًا إن كان لأحد على أحد شكوى. كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضًا. وعلى جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال. وليملك في قلوبكم سلام الله الذي إليه دعيتم في جسد واحد وكونوا شاكرين» (كولوسي3: 12-15).

أيها الأحباء... اقرأوا هذه العبارات المرة بعد المرة، واقرأ وها بعناية، وتفكّروا في أنه مطلوب أن نلبس أحشاء رأفات، ولطفًا، وتواضعًا، ووداعة، وطول أناة؛ هذه هي الثياب الروحية المقبولة عند الله وعند الناس. مطلوب أن يهتم كل منا با لآخر ويصدُق في محبته له. إن هذا الدرس لا زلنا في احتياج عظيم لأن نتعلمه من الرب يسوع، وأن يبدو فعله ظاهرًا في احتمالنا أضعاف الضعفاء وفي محبتنا بعضنا بعضًا من قلب طاهر بشدّة (1بطرس 1: 22)

عزيزي.. “اتعلِّم في مدرسة المسيح.. اتعلِّم مْن المسيح.. اتعلِّم المسيح.. وخليك كبير..”

فايز فؤاد
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf