2009 97

وأنا قد أحببتك

Bookmark and Share

(إشعياء 43: 4)

نشرت جريدة الوطن الكويتيه خبرًا في غاية الغرابة عن قصة قلّما حدثت، لكنها قد تحكي وتروي قصة حياتي وحياتك علي مدى العمر.. هذا الخبر أذاعته وكالة رويتر للأنباء من لندن على لسان صحفي يوم 1/3/2003، وإليك الخبر: “لمسافة ميل علي خط سكه حديديه وحقل ألغام، طفل رضيع يحبو عشر ساعات في البرد، ويعود بسلام إلى بيئته”.

ذكرت صحيفة الديلي بلندن أن رضيعًا عاد بسلام إلى أسرته بعدما ظل يحبو لعشر ساعات بمفرده في الريف البريطاني القارس المظلم، وظل مرلين ريد (عامان) يحبو من حديقة جدة لمسافات ميل على خط سكه حديديه وبحفر غطاها الطين ومصرف مياه مهجور. وعبَّر مارك ستريتر، مأمور الشرطه بجنوب إنجلتر، للصحيفه عن شعوره «بذهول حقيقي» لنجاة مرلين من الموت بعدما خاض «حقل ألغام به الأخطار». وانتهت مغامرة الرضيع في وقت متأخر يوم الخميس بعدما تعثر في جذور شجرة بجوار ترعه. وقال ستريز «لو سقط في الترعه لكان غرق حتمًا، وحتى لوظل تائهًا لساعتين إضافيتين لهلك من البرد». وعلى الرغم من عملية بحث واسعة قامت بها الشرطة باستخدام طائرات الهليوكوبتر والكلاب البوليسيه، عثر عليه مزارع، وقال المزارع خيسون فيشر: «كانت الصدمة بادية على وجهه، إلا أنه لم يصدر عن الطفل الصغير أدنى صوت».

أرى في هذه القصة العجيبه حياتي وحياتك كأولاد الله، عندما تقابلنا ظروف مشابهة، مرارًا وتكرارًا، سواء بملء إرادتنا اجتزناها أو لوسمحت العنايه الإلهيه بذلك لتزكيه إيماننا. ودعني أشجعك ببعض الملاحظات:

  1. إن كان هذا الطفل الرضيع الذي لا يقوى على شيء لم ينسه الرب حتى إن نسيته الأم (إشعياء 49: 15)، فاعلم أنك محاط برعاية وعناية إلهية فائقة كل أيامك. ومهما كنت صغيرًا تذكر أنك محاط بيد القدير الكبيرة.
  2. إن كنت تتصور أنك تسير في هذا العالم بمفردك، فاعلم أنه لم يتخلَّ عنك، وحتى إن سرت في وادي المخاطر والصعاب فهو معك. تخلَّص من الشعور بأنك وحدك؛ فالرب لك وهو معينك. تذكر ما حدث مع يعقوب في رحلته الشاقة وهو هارب من وجه أخيه، إذ سار في خلاء خرب وموحش، في جو مليء بالإحباط والندم، جزءًا لما اقترفه من التواء؛ إلا أن الله نفسه يظهر له، فيتمتع بأجمل منظر في برية الألم، سلم منصوبة علي الأرض ورأسها يمس السماء، وملائكة الله صاعدة ونازلة، فتحولت مشاعر الخوف إلى مشاعر مقدسة (تكوين28: 12). فلا تخف (إشعياء 10:41-13).
  3. اجتاز هذا الرضيع خط سكه حديديه، مرَّ بحفر، ومصرف مياه مهجور، ووصل سالمًا. وأنت وإن سرت في القفر وواجهتك الصعاب تذكر أن لك إله عظيم (تثنية 8: 15)؛ لا يدع رجلك تزل (مزمور 121: 3؛ اقرأ أيضًا 91: 10-12).
  4. مهما سرت في ظلام العالم ووحشة الليل المخيف، وأن طال؛ فتذكر أننا لسنا أبناء ظلمه لكي نخاف فنحن أبنا نور، نور الذي أشرق في قلوبنا بالإيمان فانعكس نوره فينا وأصبحنا أنوارًا في ظلام العالم الدامس. وتذكر أيضًا أن ليل البرية لن يدوم، بل قريبًا سينفجر فجر المشرق البسّام، عندئذٍ ستنسى كل الآلام.. فاطمئن (مزمور91: 5).
  5. عبر الطفل حقل ألغام ولم ينفجر، لا تخف مهما كانت الصعوبات، فلن يستطيع شيء أن يؤذيك. ومن ذا الذي يقول والرب لم يأمر. لن يمسَّك سوء، فهو حافظك الذي لا ينعس ولا ينام. لذلك «إذا مشيت في النار فلا تلدع، واللهيب لا يحرقك». و ذلك لا لشيء فيك، لكن لأنك عزيز مكرم في عينيه (إشعياء 43: 2).
  6. انتهت مغامرة الرضيع في وقت متأخر. عزيزي إن طالت المغامرة وإن تأخرت الإجابة في طلبتك، تعلم ألا تنزعج؛ ومهما توانت فانتظرها، فأوقات الفرج آتيه إتيانًا أكيدًا، ولو في الهزيع الرابع. لن يتخلَّ عن وعده؛ فهو الصادق والأمين. وإن تعثرت في جذع شجرة، فاعلم أن الأمور التي تراها أنت تعيق طريقك إنما يستخدمها الرب سبب بركة لنفسك، فهو الذي يخرج من الآكل أكلاً ومن الجافي حلاوة.
  7. عمليات البحث كانت واسعة واستخدم فيها أدوات كثيرة، واعلم أن الرب يستطيع أن يحرك كل الأشياء، وفي كل الاتجاهات، لكي يعينك. فيد الرب الحنونه تحرك كل الامكانيات لصالح الؤمن. إنه أمر عجيب حقًا، وإن خارات كل القوى من حولك، وفشلت في مدِّ يد المعونة، فلا تحول ثقتك في الرب، بل ارفع عينك إليه وهو يجيبك، إنه يستخدم حتي الخلائق غير العاقله لخدمتك.
  8. لم يصدر عن الطفل الصغير أدنى صوت. وهنا لنتعلم كيف نهديء نفوسنا ونتوقع بسكوت خلاص الرب. لا تئن ولا تتذمر ولا يعلى صياحك بالشكوى مرددًا: “لماذا أصابتني هذه البلية”. تعلم أن تنتظر وتتأنى، وأن تكون راضيًا وصابرًا، وأن تشكر. ففي الشكر الغلبة الحقيقية، فيه نرى مشيئة الله نحونا. وأعظم انتصار علي دسائس إبليس هو الشكر. والسند المنيع والحصين هو أن تقبل من الله كل شيء.. لأنك أولاً وأخيرًا ابن له، محفوظ ومحاط بالعناية الكاملة، فلماذا أذًا تئن؟ املأ قلبك بسلامه، ستصل حتما إلى ميناء السلام. اهتف مع المرنم: «الرب راعيَّ...».

عزيزي.. تشدَّد وتشجَّع، وانتظر الرب دائمًا. واعلم أن ليل الغربه وآلام الزمان ستنتهي قريبًا جدًا، وهي لا تُقاس بما ينتظرنا من أمجاد.. ولتكن صلاتك: «آمين. تعال أيها الرب يسوع».

سامح جاد متري
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf