2006 80

يمكن ييجي حبيبنا اليوم!

Bookmark and Share

عام 1914، قاد القبطان ”إيرنست شاكلتون“ بعثة استكشاف، سافرت بحرًا إلى قارة أنتاركتيكا، غير المأهولة، في منطقة القطب الجنوبي.  وكان مُقرَّرًا أن تُكمل الرحلة سيرًا على الأقدام إلى القطب الجنوبي.

أبحرت البعثة بحسب الخطة المرسومة، ولكن السفينة عَلِقَت بين كتل الجليد الضخمة، وأصاب جسمها العطب.  وشقّ الرجال طريقهم، بصعوبة بالغة، بقوارب النجاة، إلى جزيرة نائية.  وهناك وعدهم شاكلتون بأن يذهب ليُجلب إليهم النجدة والإنقاذ، ”ويأتي أيضًا“ ليأخذهم إلى ديارهم.  وبقارب إنقاذ صغير، وبهداية بوصلة بدائية بسيطة، وبرفقة مجموعة صغيرة من رجاله، انطلق شاكلتون قاطعًا ثماني مئة ميل، عبر البحار المحفوفة بالمخاطر، إلى جزيرة چورچيا الجنوبية.  ثم قاد رجاله، عبر أراض جبلية وعرة وشديدة الانحدار، إلى ميناء في الجهة المقابلة للجزيرة.  وما أن وصل إلى هناك، حتى استأجر سفينة لإنقاذ بحارته المحتجزين في المناطق الجليدية الجنوبية.  ووفى هذا القبطان بوعده لرجاله، وعاد لأخذهم، ولم يُترك رَجُلٍ واحدٍ خارج ركب المُخلَّصين المُنقَذين، بل عاد الجميع سالمين إلى ديارهم، ولم يُفقَد أحدٌ.

وفي عام 1996، قاد قبطان آخر هو ”چورچ تولوك“ بعثة بحرية إلى مكان غرق السفينة ”تيتانك“، والتي غرقت في المحيط الأطلنطي عام 1912.  وعثر تولوك عن طريق طاقمه ومُعدّاته - في قاع المحيط - على عدة أشياء من نظارات وحليّ وأدوات مطبخ ومُعدات شخصية للعديد من ركاب السفينة العملاقة الغارقة، واكتشف أنه بالقرب من جزء كان قد انفصل من السفينة ذاتها.

حاول چورچ تولوك انتشال ذلك الجزء، زنة عشرين طنًا من الكيلو جرامات، وبعدما رفعوه قليلاً، هبت عاصفة شديدة مكَّنت المحيط الهائج من استعادة هذا الكنز الثمين، واضطر القبطان تولوك للتراجع والعودة إلى حيث كان.  ولكنه فعل شيئًا مثيرًا قبل رحيله؛ فعن طريق الذراع الآلي لغواصته العملاقة، استطاع أن يُثبِّت صفيحة معدنية كبيرة، على جسم السفينة الغارقة، وكتب عليها، بأحرف كبيرة بارزة، هذه الكلمات: ”سوف آتي أيضًا.. چورچ تولوك“.  وهكذا أصبحت السفينة الغارقة تحمل ”ختمًا“ يفيد مسؤولية هذا الرُبّان العظيم عنها.

وقد يبدو هذا التصرف للوهلة الأولى غريبًا، لكن چورچ تولوك عاد بعد عامين ”كما قال“، وانتشل ذلك الجزء الذي يخصَّه من السفينة، والذي اعتبره ”كنزه الثمين“.

أيها الأحباء: عندما كان ربنا يسوع المسيح على وشك مغادرة هذا العالم والعودة إلى حيث كان، وعد بأن يعود ليأخذنا إليه، وقال: «لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ. أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ فَآمِنُوا بِي.  فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ.  أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا» (يوحنا14: 1-3).

وبعد أن احتمل «رَبّي وإلهي» أهوال الصليب، ومات، ودُفن، قام حيًّا من بين الأموات، واهبًا الحياة الأبدية لكل الذين يؤمنون به مُخلّصًا لحياتهم، وقد خَتَمَنا الله بروحه القدوس مؤكِّدًا بذلك ملكية الرب لكل مؤمن (2كورنثوس1: 21،22؛ أفسس1: 13،14؛ 4: 30).  وها هو الرب يسوع يجلس، في يمين العظمة في الأعالي، طيلة مدة وجود الكنيسة على الأرض، ولكنه لا ينسى وعده وموعد مجيئه.  فذات يوم سيرجع «كما قال» ويجمعنا إلى حضرته (1تسالونيكي4: 15-18).  ولا يمكن إلا أن يكون ربنا يسوع وفيًّا بوعده.  ومجيئه ثانية مؤكَّد تمامًا مثل مجيئه أولاً.

لقد قال: «آتي أيضًا»، والذي أعطى هذا الوعد مشغول بإنجازه، حتى ولو لم تكن قلوبنا مشغولة وموضوعة عليه.  إن الأيام تزداد عنفًا وظلامًا ونجاسةً، وقد تؤلمنا الظروف التي حولنا، وقد تكون طريقنا محفوفة بالصعاب، وقد نَحُسّ في قرارة نفوسنا بوحشة غياب المُخلِّص الحبيب عنا بالجسد، وقد نشعر أن فترة تغربنا عن الرب إنما هي ليلٌ حالكٌ؛ ولكن لنذكر أنه سبق فوعدنا في محبته الأمينة بقوله الكريم «آتي أيضًا».

ورحلة الكنيسة المعترفة بالمسيح، في هذا العالم، كثيرًا ما تُشبَّه بسفينة في وسط البحر الهائج المضطرب (أعمال27)، والرب سيأتي ليأخذ لنفسه منها إلى المجد كل مؤمن حقيقي.  والروح القدس الذي يسكن في كل مؤمن، هو ختم الله للمؤمن الذي يفيد ملكية الرب له، لأنه أُشتُري بالدم الكريم.  وحتى ولو تكسّرت السفينة وأصابها العطب، وعلقت بين كتل جليدية باردة روحيًا وأدبيًا، فإن كلمة الله تُعلن أن كل مؤمن حقيقي له حياة أبدية ولن يهلك إلى الأبد (يوحنا10: 27،28)، والجميع سينجون إلى البَرِّ الآمن (أعمال27: 44).

والرب يسوع المسيح هو قائد سفينة حياتنا.  ويا له من رُبّان ماهر!  يا له من قائد مقتدر!  يا له من سَيِّد عظيم يُبحر معنا في رحلة الحياة إلى الأمام صوب الشاطئ الآخر، حيث وطننا وديارنا!  ويا له من وطن!  ويا لها من ديار!  حيث الآب ينتظرنا هناك، وحيث الابن المبارك سوف يأخذنا إليه في السماء هناك «وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ» (1تسالونيكي4: 17).

نعم، عن قريب سنرى ربنا وإلهنا، مخلِّصنا وفادينا، حبيبنا وعريسنا. 

سنراه كما هو، ونكون مثله (1يوحنا3: 2). 

سنراه في شاطئ المجد العظيم، بلا ظلام أو قتام. 

سنراه في جماله العجيب، في كل أمجاده المتنوعة. 

سنرى وجهه الكريم الذي كان مُفْسَدًا على الأرض يومًا لأجلنا. 

سنراه في مجده العجيب، وسنتأمله في سجود، ونسبِّح في حضرة الودود، بألحان النصر وأفراح الخلود، فهناك ستتم كل الوعود! 

يا له من حبيب!

ويا لها من أمجاد تنتظرنا عن قريب!

«يَقُولُ الشَّاهِدُ بِهَذَا: ”نَعَمْ!  أَنَا آتِي سَرِيعًا“. آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ» (رؤيا22: 20). 

فايز فؤاد
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf