2021 167

الجلاء بكلمة

Bookmark and Share

«وجَاءُوا إِلَى عَبْرِ الْبَحْرِ إِلَى كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ. وَلَمَّا خَرَجَ مِنَ السَّفِينَةِ لِلْوَقْتِ اسْتَقْبَلَهُ مِنَ الْقُبُورِ إِنْسَانٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، كَانَ مَسْكَنُهُ فِي الْقُبُورِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَرْبِطَهُ وَلاَ بِسَلاَسِلَ، لأَنَّهُ قَدْ رُبِطَ كَثِيرًا بِقُيُودٍ وَسَلاَسِلَ فَقَطَّعَ السَّلاَسِلَ وَكَسَّرَ الْقُيُودَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يْذَلِّـلَهُ. وَكَانَ دَائِمًا لَيْلاً وَنَهَارًا فِي الْجِبَالِ وَفِي الْقُبُورِ، يَصِيحُ وَيُجَرِّحُ نَفْسَهُ بِالْحِجَارَةِ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ مِنْ بَعِيدٍ رَكَضَ وَسَجَدَ لَهُ»  (مرقس ٥١- ٥، القصة مدونة في ثلاثة أناجيل: متى ٨؛ مرقس ٥؛ لوقا ٨).

احتلال غاشم... استعمار... قسوة وشراسة وعنف... جسد إنسان تحتله قوات غاشمة من ألفي معتدٍ... ليسوا بشرًا بل أرواحًا نجسه... لاجئون!!

لكن من أتى بهم إلى هذا الجسد؟ ولماذا هم كثيرون؟ إنها الإرادة الآثمة للإنسان التي تعصف به خلف شهوات الجسد البغيض!!

قال أينشتين: “لا وجود فيزيائي للظلمة. الظلام هو غياب النور. كما أنه لا وجود فزيائيًا للبرد. البرد هو غياب الحرارة”

إذا.. فالبُعد عن مصدر الحياة هو الموت. والبُعد عن النور هو الظلام الدامس!! البعد عن المسيح مصدر الحياة، هو الموت.

في مشهد سابق، فتحت حواء أمنا حوارًا مع الحية.. وكان السقوط. واليوم فتح هذا المسكين حوارًا، بل صنع تحالفًا مع الشياطين؛ فساكنته واحتلت بيته، وخربت ودمرت ولم تترك فيه شيئًا من الإنسان. إنه العبث الجاد الشرس... ها هو حطام إنسان!! أليس كذلك من يسلم نفسه وقلبه وحياته لعدو ماكر شرس؟

والنتيجة رهيبة رهيبة: كما ترد في مرقس ٥:

* كَانَ مَسْكَنُهُ فِي الْقُبُورِ... وَكَانَ دَائِمًا لَيْلاً وَنَهَارًا فِي الْجِبَالِ وَفِي الْقُبُور(عائشًا في المقابر حيث النجاسة وعظام الموتى ).

* وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَرْبِطَهُ وَلاَ بِسَلاَسِلَ(جامح ولا يخضع لأحد ).

* عريانًا  (وَكَانَ لاَ يَلْبَسُ ثَوْبًا -  لوقا٨: ٢٧)... مصدر عار وازدراء لعائلته.

* يَصِيحُ وَيُجَرِّحُ نَفْسَهُ بِالْحِجَارَةِ  (مصدر ألم وخوف للناس ومصدر خطر على نفسه وغيره )

ألا تفعل الخطية بنا هذا؟!

هذا ما فعلته به الشياطين؟ فماذا فعل به الناس؟

«لأنَّهُ قَدْ رُبِطَ كَثِيرًا بِقُيُودٍ وَسَلاَسِلَ فَقَطَّعَ السَّلاَسِلَ وَكَسَّرَ الْقُيُودَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يْذَلِّـلَهُ...»!!!

* ربطوه بسلاسل وأرادوا أن يذللوه!!! أراد الناس راحتهم وأمانهم... لكن لا أحد يريد رحمته، وأيضًا لا يستطيعون شفاءه... يا للشقاوة... مشكلة رهيبة وأصابع الإتهام تتجه نحو الشيطان والأرواح النجسة... لكن من يستطيع إقتحام بيت القوي ويسلب أمتعته؟

فهل من حل؟ ومن ذا الذي يقدر أن يصنع ويريد أن يرحم؟

في لحظات جاء الافتقاد الإلهي من الراعي صخر الدهور...

* ما أن أتى يسوع حتى خرَّ هذا المارد، بكل ما يحمل من قوات الشر، عند قدمي يسوع... من هيبته صرخ وأمام عظمته انحنى، ومرتعدًا سجد!!

* والحل عند السيد... كلمة... فقط؟ نعم...

* كلمة من السيد العظيم، المخلِّص الرائع... صاحب السلطان الأعلى في السماء وعلى الأرض:

«أخرج من الإنسان يا أيها الروح النجس»!!

* والنتيجة  (مرقس ٥١٣) «فخرجت الأرواح النجسة»!!

* أليس هذا مجيدا؟

ولأول مرة منذ سنوات هذه عددها في الدمار والإنهيار والنجاسة والعري، جاءت الجموع لتنظر «فَنَظَرُوا الْمَجْنُونَ الَّذِي كَانَ فِيهِ اللَّجِئُونُ جَالِسًا وَلاَبِسًا وَعَاقِلاً، فَخَافُوا».

جالسًا... حيث الكرامة عند قدمي يسوع.

لابسًا... حيث الوقار... كساه ثياب البر.

عاقلاً... أخذ حكمة في مخافة الله.

نعم أخيرًا تم الجلاء بكلمة... جلاء القوات الشريرة الغاشمة... وتم التغيير في لحظه ورأت عيناه يسوع، النور الحقيقي... ولمست يده يدًا كانت مزمعة أن تُثقب على الصليب لأجله حبًا وغفرانًا!!

وتبدلت الأحوال من حال إلى حال. وما أبعد الفرق.

وإذ نال هذا الشفاء ارتبط للتو بشخص الرب يسوع الحبيب. وعندما همَّ الرب لمغادرة المكان، طلب إليه هذا الإنسان الجديد طلبًا عجيبًا!!

فماذا طلب؟

«وَلَمَّا دَخَلَ السَّفِينَةَ طَلَبَ إِلَيْهِ الَّذِي كَانَ مَجْنُونًا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ»!!

لم يشعر بحاجته إلى الأهل الذين حُرم منهم سنينا... ولا أراد الناس الذين كانوا يريدون ربطه بالقيود... لكنه أحب وأراد أن يرافق إله الحنان وسيد الأكوان، وأن تكون سكناه بجواره ويسير معه في كل مكان، فقد تمتع أخيرًا بالحرية... نعم «فإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا»  (يوحنا ٨٣٦).

لكن لم يشأ السيد أن يلبي طلبته وأن يشبع رغبته في هذه التبعية العاطفية... بل أراد تبعية عملية مثمرة... قدَّر السيد عواطفه وطلب منه أن يذهب في إرسالية مباركة «فقالَ لَهُ: اذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ»

يا لها من إرسالية... لقد أأتمنه الرب على خدمة... وأرسله إلى دائرة خدمته:

إلى بيتك  (الدائرة الأولى الأهم ).. «فتخلص أنت وأهل بيتك»،

ثم الأهل،

ثم إلى كل من يستطيع أن يصل إليهم.

ومضى هذا الإنسان الجديد كارزًا بين الأسرة والبيت... وإلى كل مدن الدائرة!!

«فَمَضَى وَابْتَدَأَ يُنَادِي فِي الْعَشْرِ الْمُدُنِ كَمْ صَنَعَ بِهِ يَسُوعُ. فَتَعَجَّبَ الْجَمِيعُ»

ما أبعد الفرق بين اليوم والبارحة... فقد فصل بينهما لقاء يسوع!!! يا للمجد.

صديقي...

هذا هو يسوع المخلص العظيم... وهذا شيء يسير من قدرته الفائقة

لا تؤجل اللجوء إليه... فالوقت قصير... لا تعاني أكثر مما عانيت... إلتجئ إليه الآن... سيريحك محضره وسيرفع عن كاهلك ثقل خطاياك... وستخرج ووجهك ليس بعد مغيّرًا!

والسر في كلمة سلطانه.

نشأت نصحي
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf