2008 93

ملاحظات أوليمبية وبارالمبية

Bookmark and Share
قامت الدنيا ولم تقعد. تذكر الجميع “صفر” المونديال مرة أخرى، بعد أن أخفق الأبطال المصريين، الذين نسحب منهم لقب “الأبطال” بعد أن أخفقوا أن يبرهنوا على أحقيتهم أو جَدارتهم بهذا اللقب؛ فقد فشلوا جميعهم في تحقيق ميداليات باستثناء لاعب وحيد، من بعثة قوامها 185 - هي الأكبر عددًا في تاريخ المشاركات الأوليمبية المصرية - حقق البرونزية في رياضة الجودو.

هناك علامات استفهام كبيرة في الأذهان: هل نتقدم أم نتأخر؟ حقّقنا في أثينا 2004، خمس ميداليات ما بين ذهبية وفضية وبرونزية، أتت بعد صيام دام 20 عامًا منذ فضية لوس انجلوس 1984 التي حُقِّقت في لعبة الجودو أيضًا. وقد أتت هذه الفضية اليتيمة أيضًا بعد انقطاع دام 24 عامًا، منذ دورة روما 1960 التي حققت مصرفيها فضية وبرونزية! لماذا لا نتقدم ولنا في الصين مثلاً يُحتذي؟! لم يكن للصين قديمًا أي إنجازات تُذكر في مشاركاتها الأوليمبية حين كانت مصر تفوز بالذهب منذ دورة امستردام 1928؛ غير أن الحال اختلف تمامًا بمرور السنين، فاستطاعت الصين في العشرين سنة الأخيرة أن تتقدم شيئًا فشيئًا، حتي أنهت الهيمنة الأمريكية على الدورات الأوليمبية، وفازت لأول مرة في تاريخها بالدورة 29، التي أقيمت أغسطس الماضي في بكين، برصيد 51 ذهبية وهو ما يزيد عن أمريكا التي حلت ثانية بـ15 ميدالية.

ما أسباب الفشل؟ سؤال يسأله الكثيرون من المعنيين بأحوال الرياضة المصرية.

دعونا نحاول أن نبحث في كلمة الله لا عن أسباب فشل لاعبينا في تحقيق ميداليات - فهذا لا يعنينا كثيرًا - بل عن أسباب تقاعسنا نحن في ما هو أهم وأبقى. فإن كلمة الله تحثّنا جميعًا: «اركضوا لكي تنالوا» (1كورنثوس9: 24).

أوَلسنا في مضمار سباق الحياة نسعى؟ أوَ لا نبغي أن نركض حسنًا لكي ننال الجعالة؟ هناك من ركض بكل قواه مثل الرسول بولس وربح، ليس ميدالية الذهب الذي يفنى، بل ما هو أمجد بما لا يُقاس؛ لقد ربح إكليلاً لا يفنى؛ إكليل البر
(2تيموثاوس4: 8).

وتضع أمامنا كلمة الله أمورًا هامة لكي لا نفشل في الحصول على الميداليات السماوية:

1-الانضباط

ليس من شيء آخر بهذه الأهمية لمن يريد أن يربح أن «يظبط نفسه في كل شيء» (1كورنثوس9: 25)، لذلك يستطرد الرسول «أقمع جسدي وأستعبده». الرياضي ليس كالإنسان العادي يأكل متى شاء وأيـًّا شاء، يسهر كما يحلو له وينام ما طاب له من الوقت. بل إن أمامه هدفًا يسعى لتحقيقه، ولا ينبغي أن يدع أمور الحياة اليومية تعوقه عن تحقيق الهدف. عليه أن يُخضع كل شيء آخر لسيطرته ليحظى بهذا الهدف. ولكي يفوز بالجائزة فإن طعامه وشرابه ونومه ومتعه، كلها ليست ذوات قيمة. إن الكثيرين يخسرون لأنهم غير منضبطين.

2-الاجتهاد

بسؤال المصارع المصري، الحاصل على ذهبية أثينا، عن سبب إخفاقه في بكين أمام مصارع مغمور، أجاب أن السبب الرئيسي هو إهماله للتدريب. والحق أن السبب الأساسي وراء حرمان الكثيرين من الأكاليل هو: عدم التدريب.
وكم نعاني بسبب ضعف اللياقة الروحية، وذلك يرجع الى قلة تدريبنا علي الوجود في محضر الله لتقوية عضلاتنا الروحية، وقلة وجودنا أمام كلمته ليدربنا في حقه. إن الكثيرين لا يستطيعون أن يقولوا مع كاتب المزمور: «في طريق وصاياك أجري» (مزمور119: 32)، ولا يمكنهم أن يرددوا مع بولس: «أدرِّب نفسي ليكون لي دائمًا ضمير بلا عثرة» (أعمال24: 16). أليس عجيبًا أن الكثيرين أيضًا قد تخلوا تمامًا عن التدريب علي رياضة التقوى النافعة لكل شيء (1تيموثاوس4: 7).

3- التطلع للأفضل

الكثيرون يصيبهم الغرور إذا ما أحرزوا يومًا إنجازًا ما، ويعيشون علي هذه الذكرى باقي أيام حياتهم، فلا يحققون شيئًا آخر. أما السباح الأسطوري “مايكل فيلبس” فلم يكتفِ بما حققه من انجازات في اثينا 2004، عندما ربح 6 ميداليات ذهبية وبرونزيتان. حين سُئل إن كان بإمكانه تحطيم الرقم القياسي لعدد الميداليات الذهبية في دورة واحدة الذي حققه مواطنه “مارك سبيتز” في ميونيخ عام 1972 (7 ذهبيات)، أجاب فيلبس أنه لا يوجد مستحيل. آمن فيلبس بذلك فحقَّق ما لم يحقِّقه رياضي آخر في التاريخ، وأبهر العالم بتحقيقه 8 ذهبيات في بكين2008، وحقق 7 أرقام قياسية جديدة.
وفي الحياة الروحية، مع أنك تجد الكثيرين لا يكتفون من أمور الزمان وينهلون منها بلا ارتواء؛ إلا أنهم في أمور الله يكتفون بأقل بالقليل. قال الرسول بولس «لست أحسب نفسي أني قد أدركت». وليتنا نعتبر هذا فنواصل السعي «أنسى ما هو وراء، وأمتد إلى ما هو قُدَّام. أسعي نحو الغرض، لأجل جعالة (جائزة) دعوة الله العليا»
(فيلبي3: 13، 14).

4- الصبر

إن التحريض لكل منا: «لنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا». لنستمر في الركض حتى ولو أعيينا، وما يمنحنا المعونة على ذلك هو أن ننظر إلى شخص المسيح في حياته هنا علي الأرض، لقد أكمل سباقه - تبارك اسمه - إلى النهاية. لذا استطاع أن يقول للآب في نهاية حياته «أنا مجَّدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يوحنا17: 4). ولذا يأتي لنا التحريض الرائع «فتفكروا (جيدًا) في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه، لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم» (عبرانيين12: 1، 3).

وتبقى لنا ملاحظة أخيرة:

حقَّق المعاقون ما لم يحققه الأصحاء. فقد حصلت بعثتنا للمعاقين علي 12 ميدالية متنوعة منها 4 ذهبية في دورة الألعاب الباراليمبية. لعلهم كانوا، في علمهم بإعاقتهم، أكثر تصميم وإصرار على الفوز، وأكثر حرص على التدريب الشاق. على أيّة حال فإن ضعفاتنا لا تعوقنا عن أن نربح، بل إنها تستجلب لنا قوة الله، قال بولس: «حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي». نعم، تحوَّلت شوكة بولس من إعاقة الي عون عظيم، فبسببها أجزل الرب على خادمه نعمة كملت ضعفه. شكرًا للرب؛ فإن قوته في الضعف تكمل. فليذهب كل منا بإعاقته الى الرب، مواصلاً سعيه بتصميم وإصرار. أما من يظن أنه قائم، فلينظر لئلا يسقط!
باسم رشدي
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf