2019 160

يسوع وحده

Bookmark and Share

بعد انتهاء الفحوصات اللازمة، جلست في العيادة الخارجية، بعد أن أعلمها الأطباء بأن كل ما تبقى من حياتها أسابيع معدودة. حتى هذه اللحظة قضت أيامها مشغولة بطرح أسئلة التذمر والأنين، وتصدير الشكوى من كل شيء وكل واحد، حتى الله نفسه. عاشت حياتها وهي تعيد تدوير مرارات الماضي، والأذى الذي تعرضت له من الآخرين، رافضةً أن تسمع عن الله، أو تقترب مِنْ كل مَنْ يعرفه.

في اللحظة التي عرفت أن السرطان سيلتهم ما تبقى من جسدها في الأسابيع القادمة، قررت أن تصرع هِي سرطانًا طالما أكل روحها ونفسها؛ سرطان التذمر والأنين وعدم الرضى.

استرجعت وعيها، وتلفَّتت حولها، ولم تجد إلا ابنتها المؤمنة التي طالما حاولت قيادتها إلى مَنْ يستطيع وحده أن يشفيها من مرارات أيامها.

قالت الأم: لا أملك الوقت لسماع وعظ كثير. كل ما أرغب فيه إجابة مختصرة في جملة واحدة عن أسئلةٍ ثلاثة:

(١) كيف أحصل على الغفران لِما فعلت؟

(٢) كيف أمنح الغفران لما فعله الناس فيَّ؟

(٣) كيف أذهب إلى السماء؟

لمعت عيون الابنة، وظهرت ابتسامة خفيفة من خلف سحابة الحزن، وقالت: لا أحتاج إلى جملة واحدة. يكفيني اسم واحد للإجابة على أسئلتك الثلاثة: “يسوع”... «يَسُوعَ وَحْدَهُ».

ويا لها من إجابة كاملة شافية! نعم، لأنه «لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال٤: ١٢).

فبخصوص غفران خطايانا.. إن جميع خطايانا كانت أمام العدالة الإلهية عند الصليب، وهناك قد وُضِعَت جميعها على رأس يسوع المسيح حامل الخطايا (إشعياء٥٣: ٦)، وبموته وسفك دمه، قد وضع أساسًا أبديًا لمغفرة الخطايا، بحيث أن المؤمن صار ممكنًا له أن يُجاهر - من الآن - بدون تردد أو خوف، مُرنمًا للرب: «إِنَّكَ طَرَحْتَ وَرَاءَ ظَهْرِكَ كُلَّ خَطَايَايَ» (إشعياء٣٨: ١٧). والذي يثق بهذا إنما يُصادق على حكم الله نفسه، إذ قال: «لاَ أَذْكُرُ خَطَايَاهُمْ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ فِي مَا بَعْدُ» (عبرانيين٨: ١٢؛ ١٠: ١٧). وما أثمن هذه الكلمات! الله لا يغفر فقط، بل ينسى. هنا الراحة الحقيقية للضمير المُتعَب؛ إن عيني القداسة غير المحدودة لا يمكنهما أن تريا أقل إثم على الضمير الذي تطهَّر مرة بدم المسيح الثمين. كل خطايا وآثام المؤمن قد طُرحت في بحر النسيان الأبدي، ولقد وعد الرب الصادق أنه لن يذكرها فيما بعد. وهكذا يستريح المؤمن على عمل المسيح. يؤمن ويفرح؛ لقد غُفرت كل خطاياه «أَيُّهَا الأَوْلاَدُ... قَدْ غُفِرَتْ لَكُمُ الْخَطَايَا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ» (١يوحنا٢: ١٢)، لقد أصبح من شعب الله المبارك «طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ» (مزمور٣٢: ١).

وبخصوص غفراننا للمُسيئين إلينا.. إن الرب يسوع يُعلّمنا درسًا عظيمًا في الغفران المسيحي لمَن أساءوا إلينا. لقد صلى لأجل قاتليه، وعلَّمنا أن نصلي نحن لأجل المُسيئين إلينا (متى٥: ٤٤). تُوجد أشجار تغمُر الفأس التي تَضربها بعصير ذي رائحة زكية، وهكذا يجب أن يكون الحال مع شعب المسيح. فبدلاً من الغضب ومقابلة الإساءة بمثلها، يجب علينا أن نُظهِّر المحبة الحقيقية والروح الطيبة، لمن يُوقع الضرر بنا.

هكذا فعل استفانوس، الشاهد الأمين للمسيح، الذي رُجم حتى الموت بعد أن أدّى الشهادة للبار القدوس، وقد ترك لنا مثالاً مؤثِّرًا، إذ قبل تسليم روحه إلى المسيح «صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: يَا رَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هَذِهِ الْخَطِيَّةَ» (أعمال٧: ٦٠). فكلمات استفانوس هذه تُذكّرنا بكلمات الرب يسوع «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ». لقد ترك لنا المسيح بالحقيقة مثالاً لكي نتبع خطواته (١بطرس٢: ٢١). والرسول بولس يُعدِّد لنا سبع صفات للمسيح يجب أن تنعكس في حياة كل مؤمن هنا على الأرض، بعمل الروح القدس فينا: «أحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفًا، وَتَوَاضُعًا، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى أحَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هَكَذَا انْتُمْ أيْضًا» (كولوسي٣: ١٢، ١٣).

ما أحوجنا إلى غفران المسيح وحنُّوه لشفاء أنفسنا من المرارة والرغبة في الانتقام، ولشفاء جراح الآخرين وقساوة قلوبهم!

أما بخصوص الذهاب إلى السماء.. لقد قالها المسيح، وما أصدق قوله: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي» (يوحنا١٤: ٦). فإذا شعرت - عزيزي القارئ - بأنك تائه وضائع ضللت الطريق، فإني أرجوك ألا تتبع عقيدة أو إنسانًا، مهما علا شأنه، بل تعالَ إلى المسيح لتعرف الطريق، وتنال الحياة الأبدية، وتضمن الذهاب إلى السماء.

إن الرب يسوع المسيح هو «الطَّرِيقُ»؛ الطريق الوحيد إلى الآب «لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي».

وهو - تبارك اسمه - «الْحَقُّ»؛ ويا له من ضمان لنا في هذا العالم، حيث إبليس، المُخادع الأكبر، ينسج حبائل الغش ليصيد بها الغافل. فالرب، الذي هو الحق، هو كفايتنا لنفحص به فلسفات البشر واقتراحات العدو، التي تجد قبولاً ورواجًا بين الناس.

وهو - له كل المجد - «الْحَيَاةُ»؛ «الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا» (١يوحنا١: ٢)، والتي هي هبة الله لكل مَن يؤمن بابنه.

ليت الخطاة يقبلونه مُخلّصًا شخصيًا لهم، فينالون به غفرانًا أبديًا كاملاً لخطاياهم، ونصيبًا مع المقدسين.

فايز فؤاد
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf