2019 158

خد بالك

Bookmark and Share

خد بالك من الكلمة اللي بتقولها بعد كلمة “أنا...”

أنا تعبان / كويس.. أنا مكتئب / فرحان.. أنا خسرت / كسبت.. أنا بشتغل / مابشتغلش.. أنا خرّيج كذا / بدرس كذا.. أنا مُحبط / متحمّس.. أنا اتهانت / اُحتُرِمت.. أنا بعاني / مرتاح.. أنا غني / فقير.. أنا جنسيتي كذا.. أنا مرفوض / مقبول.. أنا شكلي حلو / وحش.. أنا ضعيف / قوي.. أنا عندي / ما عنديش.. أنا ابن فلان / أعرف فلان

خد بالك وانت بتقول الكلام ده: ودانك بتسمعه، وعادة الكلام اللي بيطلع مننا بيمثّلنا وبنكون مصّدقينه. بس كل الحاجات دي وصف لحالة، كله ممكن يتغير... أوعى تربط نفسك بيه، ده ممكن يروح... دي مش هَويّتك، لما الحاجات دي بتتخلط بالهوية بتركبنا وبتسيطر علينا وبتسوق أذهاننا. بتودينا لإدراك غلط؛ إما بترفعنا فوق الواقع وتلاقي الشخص مربوط بنشوة زايفة جاية من إنجاز او نجاح أو لقب أو حالة، أو بتنزّلنا وبتضغطنا وبتشوّه الواقع وبتفقدنا الاتجاه والإدراك الحقيقي لـ “أنا مين؟” وفي الحالتين دي مش هويتنا... منظرك وشكلك وماركة هدومك وعربيتك مش هما اللي بيدولك قيمتك... قيمتك مش بخفة دمّك ورواشتك وسط الشلة، ولا حتى برفضك وعصيانك للسلطة ولا بفتونتك وكسرك للقانون.

لكن كمان “انت مين” غير “انت شايف نفسك فين بين مجتمعك أو اصحابك أو عيلتك”. هويّتك مابتجيش من المقارنات اللي بتدور بينك وبين نفسك، والسؤال: انت فين من اللي حواليك؟ مش قيمتك أبدًا انت شايف نفسك فين في ميزان الوسط اللي انت عايش فيه. هويتك مش بمعرفتك مين فوقك ومين تحتك في سلم الإنجاز والملكات والممتلكات... ده النجاح الزمني.

العالم اللي حوالينا بيضغط جامد علشان دي حساباته، بس دي القشرة الظاهرية الكاذبة وبس. يعني مجدي يعقوب مش نجاحه، وبيل جيتس مش فلوسه، وچوبز مش أپل، ومارك مش الفيسبوك... ده اللي أنا وأنت شايفينه، لكن هم شايفين قيمتهم بينهم وبين نفسهم فين؟ دي حاجة تاني، فاهم؟! حساب الظاهر والناس والمجتمع بيقول اللي معاه قرش يساوي قرش، بس انت لازم تبقى فاهم وعارف ومتأكد إنك مش فلوسك ولا مركزك ولا حالتك الاجتماعية... انت مش حالتك النفسية ولا الجسدية، انت مش الإحتياج اللي عندك... ماتربطش هويتك بالمُتغيرات... عارف؟ ياما ناس ربطت نفسها بمستقبل وانهاروا، إما لأن المستقبل ده ماحصلش، أو حصل ومالقيوش فيه الضالة المنشودة، أو وصلوا للنجاح لكن مادامش، زي مارادونا...

أوعى تربط نفسك وهويتك بإنسان تاني حتى لو كان أبوك، أو شريك حياتك أو خادم... الأب ممكن يتغيير، وممكن يختفي من الحياة. أعرف ناس حصل معاها كده، والأب اختفى من الحياة فجأة... عارف، الكتاب قال ع الأمهات «حتى هؤلاء ينسين» متخيل؟! صدقني بيحصل... ياما شوفنا ناس إنهارت لما فقدت عيالها علشان كانوا شايفين كيانهم وكينونتهم وقيمتهم في عيالهم... وغيرهم ناس شايفة قيمتها أشغالها أو صحتها أو شكلها أو سمعتها. أقولك حاجة ودي مش مدعاة للتساهل، انت مش ماضيك، مش القذارة ولا إدمان الإباحية اللي انت وقعت فيه، انت مش العلاقة اللي مسلسلاك... انت مش عبد للمجتمع ولا لنظام الكنيسة ولا ازاي الناس شايفاك... أول ما بنسمح لحاجة من دول انها توصمنا، بنتعلّم بيها، بتبقى دي تسعيرتنا وقيمتنا وواجهتنا... لو انت شوفت قيمتك في نجاحك هاتبقى عبد للنجاح ده، لو شوفت قيمتك في موهبتك هاتبقى عبد للموهبة دي... كمان لما بتكون حاجة سلبية وبتربطها بنفسك بتصعّب عليك انك تتحرر منها ببساطة لأني ربطت واتحّدت نفسي بيها... لو أنا بعاني من مرض ما أو عندي إعاقة ما فأنا مش المرض وأنا مش الإعاقة... مافيش أمل طوال ما انت شايف نفسك الصفة أو الحالة دي إنك تتغير أو تتقدم، حتى لو كانت حاجة كويسة... قيمتك مش في إخلاصك ولا في أمانتك ولا في مستواك الروحي وعِظم أو ضعف إيمانك... قيمتك مش في الخدمة وقيمتك مش في اللي بيمدحك بيه الناس... أقولك حاجة كمان؟ الأحلام والآمال وأي رغبة مربوطة بهذا الكوكب مش هاتحقق توقُعاتك... مافيهاش كفايتك ولا قيمتك... انت مش مُصمَّم إن الحاجات دي تكفّيك...

ماترخّصش نفسك من فضلك، ماتعيش للي ممكن يتاخد منّك...

عارف امتى الهوية بتتظبط؟ لما بيكون لك علاقة حقيقية مع ربنا... “أنا”؟ أنا مخلوق على صورة الله، أنا صَنعة إيده، أنا مضمون فيه، أنا مفدي بدمه أنا غالي عليه... أنا ابنه... ليه المجد بجد... رفعنا وعلّى قيمتنا من التراب. هو وحده الثابت وأنا مربوط بيه... مافيش ولا ظروف من بره ولا ضعف من جوه يغير قيمتي في عينيه... مافيش مجتمع ليه إنه يعمل لي تصنيف ولا ترتيب... أنا هاشتغل وهاتعب وهاجتهد وهانجح وهاتفوّق وهاوصل علشان أنا عارف قيمتي فيه، علشان أنا عارف إن ليه خطة عظيمة ليا في الوقت اللي سايبني فيه على الارض... أنا مش هادور على حاجة استقل بيها بعيد عنه، لأن ماضينا بيشهد إن قيمتي اتهانت لما عملت أي حاجة بالانفصال عنه... أنا قيمتي فيه... مش في سقطاتي حتى.

أنا مش بقول إننا نركن أو نهمل الحاجات دي، لكن نشوفها إنها مجالات بتحقيق قصد الله من وجودنا، أدوات وأدوار ومهام تبان فيها أمانتنا لربنا. مهم إنك تنجح والناس والمجتمع هاتقييمك بده، بس قيمتك مش بالنجاح الزمني عند الرب، قيمتك عنده خلصانة من زمان... قيمتك عنده دم المسيح...

عايز تعرف قيمة نفسك وحياتك؟ اسأل حد قالوا له قدامك شهرين تعيشهم!

انت عايش ليه؟! اجابة السؤال ده بتبين انت شايف قيمتك فين؟ لما تراجع طريقتك في صرفك لعمرك هاتعرف انت فين من حقيقة تمنك... ممكن تلاقي تمنك في هواية أو موهبة أو شخص أو تخصص... بس هو ده يرضيك؟! تحب تشوف ميزان دهب بيوزن تراب؟

ملكيتنا لحياتنا بتحط علينا ضغط رهيب... بتخلينا ندوَّر على أي هَوية والسلام، احنا وكلاء مش مُلّاك... مافيش حاجة ربنا اداهالك علشان تضيف لك قيمة، ربنا بيدينا صحيح علشان نستمتع، لكن ربنا بيدينا علشان واحنا بنستمتع بنستعمل كل البركات دي وبنجنّدها وبنخصصها وبنشغّلها لحساب خطة ربنا لينا.

“إنت مين؟” في صميمها بتعني: “إنت مين في نظر الله؟”

شادي جوهر
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf