2017 144

حمار في المطار

Bookmark and Share

أتوقع إنك يا عزيزي تظن أنني أخطئت اختيار العنوان، بحكم اعتيادنا أن روَّاد المطار هم المسافرون مع ذويهم، وأحيانًا بعض التجار لشحن أو استلام بضائعهم. أما أن ترى “حمار في المطار” فهذا قد يبدو مستحيلاً، لكن هذا ما حدث فعلاً في أبريل ٢٠١٥ بمطار القاهرة الدولي، إذ فوجئ المسافرون بصالة ٣ بحمار يسير على هواه في موقف انتظار السيارات بالمطار. عندها تعالت صيحات الاستهزاء من هذا المشهد المضحك والمدهش. ثم توالت التعليقات والمبرِّرات الكثيرة لكيفية حدوث هذا، لم أتوقف كثيرا أمامها بسبب سطحيتها. لكن ما استوقفني فعلاً هو تصريح أحد المسؤولين قائلاً “إن الحمار وجد ثغرة أمنية استطاع من خلالها الهروب إلى داخل المطار”، مما أثار سخرية البعض، إذ كيف لحمار أن يجد ثغرة أمنية؟!

في الحقيقة، ما أريد أن أشاركك به قارئي العزيز هو خطورة وجود "ثغرة" في حياتنا، لذا حذرنا بولس الرسول إن «خَمِيرَةٌ صَغِيرَةٌ تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ» (غلاطية٥: ٩). وفي الخميرة الصغيرة نرى صورة للخطية - التي تبدو صغيرة - لكنها تعكِّر الحياة كلها. أيضًا، نصحنا سليمان الحكيم «خُذُوا لَنَا الثَّعَالِبَ، الثَّعَالِبَ الصِّغَارَ الْمُفْسِدَةَ الْكُرُومِ، لأَنَّ كُرُومَنَا قَدْ أَقْعَلَتْ» (نشيد٢: ١٥)، وفي الثعالب الصغار نرى مثالاً لمعطِّلات البركة والثمر في حياة الكثيرين.

تكمن خطورة الثغرات في إمكانية مرور العدو بدون الشعور به، وبالتالي يستطيع الدخول ليمتلك ويتمكَّن من خصمه. ومن الثغرات التي قد نواجها في حياتنا الروحية فتسلب البركة والفرح وثمر الروح القدس في أعماقنا، ما يلي:

١.العين والنظرات

هل تذكر معي يا عزيزي كيف كانت عين “شمشون” سببًا رئيسيًا في سقوطه في فخ بائعات الهوى. دعنا نتأمل فيما قاله وسجله الوحي في سفر القضاة «قَدْ رَأَيْتُ امْرَأَةً... إِيَّاهَا خُذْ لِي لأَنَّهَا حَسُنَتْ فِي عَيْنَيَّ... وَرَأَى هُنَاكَ امْرَأَةً زَانِيَةً فَدَخَلَ إِلَيْهَا» (قضاة١٣-١٦). أيضًا “دينة” ابنة يعقوب، وكيف كانت عيناها سببًا في إذلالها «وَخَرَجَتْ دِينَةُ لِتَنْظُرَ بَنَاتِ الأَرْضِ، فَرَآهَا شَكِيمُ... وَأَخَذَهَا وَاضْطَجَعَ مَعَهَا وَأَذَلَّهَا» (تكوين٣٤).

لقد علَّمنا السيد قائلاً «سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ» (لوقا١١: ٣٤)؛ لذا دعنا نتحذّر من نظرات عيوننا، لئلا يتسلل إلينا إبليس من خلالها، وبالتالي يكون السقوط عظيم.

٢- الجسد والاحتياجات

الجسد هو أحد أقوى الأعداء التي نواجهنا «لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ» (غلاطية٥: ١٧). وتتثمل تلك الحرب الدائرة بين الروح والجسد في احتياج الجسد للراحة، الأكل، التراخي، الغرائز الجسدية وغيرها الكثير. ولنا في عيسو صورة في قوة وغلبة الجسد إذ ضحى ببكوريته وبركاتها مقابل أكلة عدس لأشباع جسده.

ما أخطر تلك الثغرة التي قد يهاجمنا من خلالها إبليس، لذا دعونا نحتاط من “شهوة الجسد”.

٣- الشهوة والرغبات

حذَّرنا المسيح قائلاً: «إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ» (متى٥: ٢٨). وأكَّد الرسول يعقوب لاحقًا «وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا» (يعقوب١: ١٤-١٥). وهذا ما نتعلمه من سقطة الملك داود، الذي رآى بثشبع وهي تستحم وهو على السطح، فاشتهاها وسقط في خطيته الشنيعة «فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلاً وَأَخَذَهَا، فَدَخَلَتْ إِلَيْهِ، فَاضْطَجَعَ مَعَهَا...» (٢صموئيل١١: ٤-٥).

عزيزي إن عدم السيطرة على شهواتنا له مخاطر كثيرة، لذا هل تصمم معي على ما صلى به المرنم:

لست لذاتي وشهواتي    بل ها حياتي ملكك

يا رب إنّي .. لك أعني .. وخذ يدي بيدك

٤- تعظُّم المعيشة والملذات

ولنا في لوط مثال خطير، إذ نراه رغب في الإنفصال عن عمه إبراهيم - خليل الله - بحثًا عن الراحة والتحضّر وتعظّم المعيشة، وفضَّل الذهاب إلى أرض سدوم وعمورة عن الاستمرار مع عمه «فَرَفَعَ لُوطٌ عَيْنَيْهِ وَرَأَى كُلَّ دَائِرَةِ الأُرْدُنِّ... كَجَنَّةِ الرَّبِّ، كَأَرْضِ مِصْرَ... فاخْتَارَ لُوطٌ لِنَفْسِهِ كُلَّ دَائِرَةِ الأُرْدُنِّ، وَسَكَنَ فِي مُدُنِ الدَّائِرَةِ، وَنَقَلَ خِيَامَهُ إِلَى سَدُومَ. وَكَانَ أَهْلُ سَدُومَ أَشْرَارًا وَخُطَاةً لَدَى الرَّبِّ جِدًّا» (تكوين١٣: ١٠-١٣).

وفي الحقيقة هذا واحد من السهام الخطيرة التي يرميها إبليس علينا، لإن طبيعتنا الإنسانية تميل إلى تعظّم المعيشة. مما يجعلنا نلتفت لتحذيرات يوحنا «لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ» (١يوحنا٢: ١٦).

٥- المال لزيادة الممتلكات

يؤكِّد الرسول بولس إن «مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ» (١تيموثاوس٦: ١٠). مما يعطي المال المجال لإبليس للدخول من خلاله كثغرة مشروعة. فقد رأينا كيف سقط جيحزي (خادم إليشع رجل الله) أمام بريق المال، رغبة في الحصول على أموال وخيرات نعمان. وأيضًا كيف دخل إلى قلب يهوذا ليخون سيده بأرخص الأثمان. وكذب حنانيا وسفيرة عندما باعا الحقل واختلسا من ثمنه.

٦- خطورة الثقة في الذات

الثقة في الذات والامكانيات هو أحد أخطر الوسائل التي قد يستغلها إبليس كثغرات للمرور من خلالها وتعكير صفو حياتنا. هل تذكر معي بطرس عندما قال للمسيح قبل صلبه «وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدًا»، مما جعل الرب يجيبه بما لم يكن يتوقع «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ» (متى٢٦: ٣٢، ٣٣).

عزيزي ليحمينا الرب من الاتكال على ذواتنا بكل ما فيها، ولنحوِّل نظرنا إلى الرب فادينا ومخلِّصنا الرب يسوع.

سيدي الغالي المسيح:

أريد أن أعمل معك وأقف أمامك في الثغر، شاهدًا بحبك وعملك مهما العمر بي يمرّ، كرس حياتي لك وطهرني من كل شر، احفظني في رضاك فلا أسقط في الخطايا وأذوق المر.

بيتر صفا
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf