2017 144

الموت بالملابس الرسمية

Bookmark and Share

“ما دام الهلاك لا مفر منه، إذًا سأموت نبيلاً، كما عشت نبيلاً”

كانت هذه كلمات المليونير “بنجامين جاجنهيم” الذي اشتهر بشياكته وأناقته، والذي كان له موقفًا في غاية الغرابة. فهو كان على متن السفينة الشهيرة “تيتانيك” التي غرقت في شمال المحيط الأطلسي سنة ١٩١٢. ففي لحظات غرقها، ذهب المليونير الشهير إلى حجرته، وخلع سترة النجاة التي كان يرتديها، واستبدلها بملابس أخرى أنيقة خاصة بالحفلات الرسمية. وعندما أنهى زينته وأناقته على أكمل وجه توجه إلى ظهر السفينة ليعلن أمام الجميع قائلاً: “ما دام الهلاك لا مفرَّ منه.. فقد عشت نبيلاً وسأموت نبيلاً”..

وإن كنا قد نُعجَب بشجاعة الرجل في مواجهة الخطر، لكن هل يواجه المرء الموت بأن نرتدي أرقى وأفخم الثياب؟ بل وهل ثيابه تشفع فيه أمام الإله؟ إن المليونير هذا يذكِّرنا بقصة البشرية القديمة، عندما أدخل الإنسان الأول الخطية إلى العالم، عندما أخطأ آدم وكسر الوصية الإلهية، لقد انفتحت أعين آدم وحواء وعلما أنهما عريانان فماذا فَعَلا؟

مآزر ورقية أم أقمصة جلدية؟

إن كان العري شيء مخزي أمام عيون البشر، فكم يكون في عيني الله خالق كل البشر؟! فعيناه ترى قلوبنا وأفكارنا وميولنا وكل ما لا يراه الناس. ولكي يستر آدم وحواء عريهما، خاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر. فهل استطاعت أوراق التين أن تسترهما أمام الله؟! هذا ما سنراه، فعندما سمعا صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة، اختبئا خلف الأشجار، «فَنَادَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ: “أَيْنَ أَنْتَ؟”. فَقَالَ: “سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ”» (تكوين٣: ٩-١٠). فرغم ما كان يلبسه، إلا أنه أعترف أنه عريان ومكشوف أمام الله. فلا أعمال الإنسان أو بره أو ملابسه تستره أمام الله. فما الذي يسترنا إذن أمامه؟ الحقيقة ليس عمل الإنسان بل عمل الله. فالحل عند الرب «وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا» (تكوين٣: ٢١). ولكي يصنع هذه الأقمصة كان لا بد من ذبيح يُذبَح ويُسلخ وهذا ما فعله المسيح لنا إذ صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا.

خيوط عنكبوتية أم خيوط حريرية؟

وما يُدهَش له أن كثيرين من البشر لا يزالوا متمسكين بأوراق التين، ويريدون أن يقتربوا إلى الله بشيء من أفعال وأعمال تسترهم أمامه، وهم لا يدرون أنهم كما لو كانوا ينسجون من خيوط العنكبوت التي يستحيل أن تصير ثوبًا. يقول الكتاب عنهم «فَقَسُوا بَيْضَ أَفْعَى، وَنَسَجُوا خُيُوطَ الْعَنْكَبُوتِ. الآكِلُ مِنْ بَيْضِهِمْ يَمُوتُ، وَالَّتِي تُكْسَرُ تُخْرِجُ أَفْعَى. خُيُوطُهُمْ لاَ تَصِيرُ ثَوْبًا، وَلاَ يَكْتَسُونَ بِأَعْمَالِهِمْ. أَعْمَالُهُمْ أَعْمَالُ إِثْمٍ، وَفَعْلُ الظُّلْمِ فِي أَيْدِيهِمْ» (إشعياء٥٩: ٥-٦). لكن ما أعظم ما فعل المسيح لأجلنا فقيل عنه: «وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا» (إشعياء٥٣: ٥). وقد شبه نفسه تبارك اسمه بالدودة فيقول: «أمَّا أَنَا فَدُودَةٌ لاَ إِنْسَانٌ. عَارٌ عِنْدَ الْبَشَرِ وَمُحْتَقَرُ الشَّعْبِ» (مزمور٢٢: ٦). كان كدودة القز التي تموت لتعطي خيوط الحرير ومنها تُنسَج أفخر الثياب. فكل من يؤمن بموت المسيح كأنه يلبس المسيح بل يترنم قائلاً: «فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ» (إشعياء٦١: ١٠).

الحياة الأبدية هبة مجانية

إن الحياة الأبدية هي أثمن وأغلى حياة. والله - تبارك اسمه - أغنى من أن يبيعها. ومن الناحية الأخرى، الإنسان المسكين العاصي أفقر من أن يشتريها. لذا فلا سبيل للحصول عليها إلا كمنحة وهدية مجانية منه، مع أن المسيح تكلف بدفع ثمن غالٍ وهو دمه الكريم مكتوب: «لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» «رومية٦: ٢٣).

الإيمان وحقائق أساسية

صديقي لا شيء يمكننا به مواجهة الموت وأهواله سوى أن نحتمي في عمل المسيح. هذا حق أساسي وأصيل في الكلمة الإلهية. ونحن لا نبني هذا الحق على آية واحدة، بل يوجد ما لا يقل عن ١٢٠ نصًا كتابيًا يؤكد على أن الإيمان بالمسيح هو السبيل الوحيد للنجاة من الغرق والهلاك الأبدي نذكر منها:

«لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا٣: ١٦).

«اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللَّهِ الْوَحِيدِ» (يوحنا٣: ١٨).

«اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ» (يوحنا٥: ٢٤).

«آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ» (أعمال١٦: ٣١).

«وَأَمَّا الَّذِي لاَ يَعْمَلُ وَلَكِنْ يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرّاً» (رومية٤: ٥).

إن ما يزيِّننا ويجمِّلنا، بل سر أناقتنا ورقّتنا، ليست في الملابس الفخمة، بل في عمل المسيح ودمائه الكريمة «وَإِنْ كُنَّا لاَبِسِينَ لاَ نُوجَدُ عُرَاةً» (٢كورنثوس٥: ٣).

صفوت تادرس
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf