2016 139

فص مدح وداب

Bookmark and Share
كلمات المدح والإعجاب لها تأثيرها الكبير وصداها المذهل على مسامع الناس. الإنسان بطبيعته يحب أن يشعر بقيمته وبتقدير الآخرين له. ثبت أن كلمات الإطراء والتقدير، محفِّزة ومؤثّرة إيحابيًا في علاقات العمل أو في العلاقات العائلية سواء بين الزوجين أو في التعامل مع الأولاد خاصة بعد أداء عمل متميز أو تصرف يستحق التقدير. جميل أن يكون المديح في محله بدافع بناء الشخصية أو علاجها، أو من باب الاهتمام الصادق والتشجيع على أداء أفضل. أما عندما يصل الأمر بالبعض إلى حد “إدمان المدح” وأن الحياة تصعب على الواحد دون أن يأخذ جرعة جديدة منه، سواء من صديق له أو حتى الغريب؛ فعند هذا الحدّ يمثِّل الأمر مشكلة كبيرة. الشخص الذي يستجدي المديح - في أغلب الأحيان - لا ينتبه لعلّته حتى وإن كانت ملحوظة بوضوح من الآخرين. وإن صارحه أحد بمشكلته ربما يتهمه بأنه حاقد ومتطرف ومشاعره جامدة... الخ.

كائنات فيسبوكية عايشة على اللايكات

ملاحظًا ما يجري على شبكات التواصل الإجتماعى في السنوات الأخيرة (خاصة الفيسبوك)، رصد أحد الأطباء النفسيين ظاهرة متزايدة يمكن أن تصنَّف على أنها نوع من أنواع الإدمان الخطيرة. تتلخص في أن هذا الموقع حوَّل البعض إلى كائنات فيسبوكية تعيش على اللايكات والكومنتات. كما قال أحدهم: “كما أن إدمان المخدرات يبدأ بشمَّة كذلك إدمان الفيس يبدأ بلايك Like”. بالطبع الكلام لا يخص كل مستخدمي الفيسبوك، فالتعميم لا يصحّ، لوجود أشخاص يستخدمون هذا البرنامج استخدامًا صحيحًا ومتزنًا ولهم رؤية واضحة وهادفة. أما حالة “التعطش الدائم للمدح وانتزاع التقدير من الآخرين” تجعل المهووس بالمديح في حاجة إلى جرعة يومية تشبع ذاته التي تعاني من الشُحّ العاطفي. هذا النوع من الإدمان يجعل حالته المزاجية متقلِّبة لأنها مرهونة بردود أفعال جمهوره الفيسبوكي وعندما لا يحظى بمراده، قد يتحول إلى شخص عصبي وعنيف.

إدمان المديح

بلا شك أن “هوس” الحصول على كلمات المدح والإعجاب والتقدير هو في الحقيقة محاولة ملءٍ مؤقت لفراغ داخلي. إعجاب الاصدقاء وتعليقاتهم الرقيقة لشخص ما، تجعله يشعر بالنشوة والثقة في النفس؛ فيطلب المزيد، مما يضطره أن يبالغ في إطراء أصدقائه (حتى لو بدون حق) ليبادلونه بدورهم كلمات المديح التي تشبع عواطفه. كلما زاد عدد المتجاوبين مع آرائه؛ توهَّم بزعامته لحركة فكرية تؤثِّر على مجريات الأمور فتتعمَّق رغبته في قبول أصدقاء جدد وإصدار بوستات جديدة. من الفخاخ التي يمكن أن يقع فيها المهووسين بلفت انتباه الاخرين له هو “الرياء الفيسبوكي” من خلال نسخ كلمات غيره دون أن يشير أنها منقولة؛ حتى يتألق أكثر ويحظى بقدر أكبر من الإعجاب والتقدير، أو أن يتملق شخصًا يستحق التوبيخ لكي يكون لطيفًا معه فيبادله المجاملة. هذا ذكرني بمقولة لأفلاطون “إن مدحك أحدهم بما ليس فيك لكونه راضٍ عنك، سوف يذمك بما ليس فيك وهو مستاء منك”.

باقة من النصائح الفيسبوكية للشباب المؤمنين

عزيزي الشاب، قيمتك الحقيقية غير متوقفة على كونك مشهورًا أم مغمورًا، ولا بقدر تعبير الآخرين عن إعجابهم بك أو بإنجازاتك، بل هي مستمَدة مما صار لك في المسيح من مقام مجيد وعلاقة فريدة وبركات فائقة.

ضع في اعتبارك أن السعادة الحقيقية لا تأتي بشعورك أنك متميز عن الآخرين، بل من المشغولية بخدمة الآخرين وإكرامهم بصورة عملية، وليس بالمجاملات الكلامية المعسولة.

كن لطيفًا مع الآخرين، واعطهم التقدير الذي يستحقونه، دون مبالغة. وإن تلقيت مدحًا صادقًا، أشكر الرب باتضاع على النعمة التي يعطيها لك في عيون الآخرين، ولا تتفاعل مع مديح زائد لا يوجد ما يبرّره. تذكَّر أعظم مثال، وهو المسيح، الذي لم يكن هدف تصرفاته أن يرضي نفسه ولا أن يكتسب مجدًا لذاته.

لا تستقِ النشوة من مجاملات الأصدقاء، بل لتكن بهجتك مبنية على علاقتك اليومية بأعز وأحلى وأصدق صديق؛ وهو الرب يسوع. لن يشبع مشاعرك تمامًا إلا الرب وحده.

محاولاتك لكسب إعجاب كل الناس في كل الأوقات قد تجعلك تجازف بتنازلك عن بعض مبادئك وحقيقة هويتك من أجل تحقيق ما هو غير ممكن. ما أصعب، على المؤمن، أن تتأثر شهادته للرب بسبب مكسب مؤقت في الزمان.

الكتاب المقدس يعلِّمنا أن نضبط أنفسنا في كل شيء، وهذا يشمل ما نكتبه أو نشارك الآخرين به. افحص كل كلمة في ضوء المبادئ الإلهية النقية وامتحن دوافعك: هل الأمر سيمجِّد الرب ويبني الآخرين، أم هو مجرد إشباع لمشاعرك؟

كل تصرف حسنٌ قمت به، وكل خدمة خدمتها بإخلاص حتى لو في الخفاء، ولم تَنَل التقدير الذي تستحقه من أحد - أطمئنك في الختام - أنك يقينًا ستنال عليه المديح من الرب علنًا أمام كرسي المسيح. مديح الناس في الزمان مبني على انطباعات مؤقَّتة قد تدوم بضعة أشهر أو سنوات، لكنه بموزاين الأبدية ليس سوى “فص مدح وداب”. أما المديح من فم الرب فهو الأصدق والأبق،ى وسيذاع من فوق منصة المجد، وعلى مسمع من كل القديسين والملائكة في كل العصور! ما أكرمه وما أعظمه تقديرًا. فليكن طموحك الأول ورغبتك الدائمة أن تمجِّد الرب.. اجتهد أن تفعل كل يوم الأُمور التي تُسِرّ قلبه، حينها ستختبر إشباعًا من الرب لقلبك.
أيمن يوسف
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf