2012 115

مشاكل المال والغنى

Bookmark and Share

كنت أظن كصبي صغير، تربَّى في عائلة فقيرة، أن كل مشاكل عائلتنا تُحَلّ إذا ما توفّر لدينا المال الكافي.  ولكن سرعان ما اكتشفت أنني كنت على خطإٍ، إذ أن الكتاب المقدس والاختبارات التي مَررت بها، علَّمتني أن كثرة المال تُولّد مشاكل كثيرة جانبية، مما لا يجعل من الأغنياء أسعد من الفقراء.  وسفر الجامعة5: 10-17 يُعطينا سبعة أسباب لماذا كثرة المال لا تحلّ مشاكلنا:

1. المال لا يُعطينا الاكتفاء

لإنسان الذي يُحبّ جمع المال لا يشبع منه أبدًا «مَنْ يُحِبُّ الْفِضَّةَ لاَ يَشْبَعُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ الثَّرْوَةَ لا يَشْبَعُ مِنْ دَخْلٍ» (ع10).  ولا يوجد مَن يستطيع أن يُشبع القلب البشري سوى الرب يسوع المسيح الذي قال: «أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ.  مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا» (يوحنا6: 35).

2. المال يجذب عددًا كبيرًا من المنتفعين

«إِذَا كَثُرَتِ الْخَيْرَاتُ كَثُرَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَهَا، وَأَيُّ مَنْفَعَةٍ لِصَاحِبِهَا إِلاَّ رُؤْيَتَهَا بِعَيْنَيْهِ؟» (ع11).  فقد ينجح الإنسان في سعيه وراء الفضة، وتتكون لديه ثروات ضخمة، ولكن هناك ما قد يُسبب المرارة إذ سيكتشف ازدياد عدد الآكلين لهذه الثروة التي تعب فيها، وما هو إلا متفرج عليها.

3. المال يُسبب القلق في الليل

«نَوْمُ الْمُشْتَغِلِ حُلْوٌ، إِنْ أَكَلَ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا، وَوَفْرُ الْغَنِيِّ لاَ يُرِيحُهُ حَتَّى يَنَامَ» (ع12).  فالعامل الفقير يعمل ويكدّ ويكدح، ويحصل على القليل من المال، ولكن تعبه الجسماني يجعل نومه يأتي سريعًا.  وأيضًا لأنه فقير فهو لا يعاني من أمراض الجشع والقلق التي للأغنياء، لذلك فهو ينام مستريحًا بلا هم.  والعجيب أن الأطعمة الكثيرة والثروة العظيمة كلها تفشل في ما يحققه نوم المشتغل.

4. المال يُسبّب الأذى لصاحبه الذي يذخّره

«يُوجَدُ شَرٌّ خَبِيثٌ رَأَيْتُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ: ثَرْوَةٌ مَصُونَةٌ لِصَاحِبِهَا لِضَرَرِهِ» (ع13).  ثروة ضارة!  يا للعجب!  لماذا؟  إن المال، ولا شك، يرفع عن الكاهل بعض الهموم، ويحلّ بعض المشكلات، ولكنه يجلب معه همومًا أخرى موازية للتي رفعها؛ فالتعب يُرافق عملية الحصول عليه، والقلق يُلازم محاولة الحفاظ عليه، كما أن استخدامه لا يخلو من تجارب، وسوء استعماله يقود إلى الشعور بالذنب، وفي خسارته حزن وأسى، وكيفية إنفاقه واستثماره تصحبها الحيرة، ومحبته أصلٌ لكل الشُّرُورِ (1تيموثاوس6: 10)، فهي تفجِّر الطمع، والحسد، والأنانية، والتنافس البغيض، والنزاعات والخلافات.  والناس في سعيهم المحموم وراء المال يُهملون الأمور الروحية، ويُصبح خلاصهم وإيمانهم أمورًا يُشكُّ فيها.

5. المال من الممكن أن يُفقَد ويضيع فجأة

«فَهَلَكَتْ تِلْكَ الثَّرْوَةُ بِأَمْرٍ سَيِّئٍ، ثُمَّ وَلَدَ ابْنًا وَمَا بِيَدِهِ شَيْءٌ» (ع14).  ويا له من تحذير موَّجه لكل مولع بالكسب، أو من يظن أن في زيادة ثروته ضمان لمستقبل آمن له ولأولاده مِن بعده.  فكم من غني ضاعت ثروته في مشاريع خاسرة، أو ضاعت بسبب أي مصيبة أو مشكلة: حرب، زلزال، سرقة، حريق...  إلخ.  «فَهَلَكَتْ تِلْكَ الثَّرْوَةُ بِأَمْرٍ سَيِّئٍ».  ولم يترك لابنه شيئًا «ثُمَّ وَلَدَ ابْنًا وَمَا بِيَدِهِ شَيْءٌ».

ما أرعب أن يضيِّع المرء الجهد كله لكي يوفِّر لأولاده ثروة، ثم يكتشف أن هذا الجهد ضاع مع الريح.  ولكن ما هو أكثر إيلامًا أن لا يترك الإنسان لأولاده الطريق السليم؛ طريق الإيمان والاتكال على الرب.  وما أروع إعلان الكتاب المقدس: «فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ ثِقَةٌ شَدِيدَةٌ، وَيَكُونُ لِبَنِيهِ مَلْجَأٌ» (أمثال14: 26)، «أَيْضًا كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ، وَلَمْ أَرَ صِدِّيقًا تُخُلِّيَ عَنْهُ، وَلاَ ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزًا.  الْيَوْمَ كُلَّهُ يَتَرَأَّفُ وَيُقْرِضُ، وَنَسْلُهُ لِلْبَرَكَةِ» (مزمور37: 25، 26).

6. المال لا يُؤخذ منه إلى العالم الآخر بعد الموت

«كَمَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ عُرْيَانًا يَرْجِعُ ذَاهِبًا كَمَا جَاءَ، وَلاَ يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ تَعَبِهِ فَيَذْهَبُ بِهِ فِي يَدِهِ.  وَهَذَا أَيْضًا مَصِيبَةٌ رَدِيئَةٌ، فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا جَاءَ هَكَذَا يَذْهَبُ، فَأَيَّةُ مَنْفَعَةٍ لَهُ، لِلَّذِي تَعِبَ لِلرِّيحِ؟» (ع15، 16).  فالإنسان لن يأخذ معه شيئًا من جميع الأمور الأرضية التي أُعطيت له لكي يتمتع بها وقتيًا وإلى حين، ولذلك يجب أن يتحفظ إزاءها، فلا يضع قلبه عليها.  وحقيقة الأمر أن الإنسان لن يستطيع الخروج بشيء من هذا العالم الذي لم يدخل إليه بشيء (أيوب1: 21؛ مزمور49: 17؛ 1تيموثاوس6: 7).

7. محبة المال تُفقد الإنسان البصيرة الروحية

«أَيْضًا يَأْكُلُ كُلَّ أَيَّامِهِ فِي الظَّلاَمِ، وَيَغْتَمُّ كَثِيرًا مَعَ حُزْنٍ وَغَيْظٍ» (ع17).  إن محبة المال تجعل الإنسان الجشع لا يشعر بعناية الله، ولا يرى يد الله الحانية عليه، ويعيش محرومًا من نور طلعته، يأكل بلا فرح، بل في غيظ وحزن وغم، خوفًا مِمَنْ قد يأكلون أمواله، أو مَنْ يتربصون به مِنْ السرَّاق واللصوص.
أحبائي: ليتنا نصحو ونتعقل ونعلم أن:

«اَلْقَلِيلُ الَّذِي لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ مِنْ ثَرْوَةِ أَشْرَارٍ كَثِيرِينَ» (مزمور37: 16).

«اَلْقَلِيلُ مَعَ مَخَافَةِ الرَّبِّ، خَيْرٌ مِنْ كَنْزٍ عَظِيمٍ مَعَ هَمٍّ» (أمثال15: 16).

«اَلْقَلِيلُ مَعَ الْعَدْلِ خَيْرٌ مِنْ دَخْلٍ جَزِيلٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» (أمثال16: 8).

«بَرَكَةُ الرَّبِّ هِيَ تُغْنِي، وَلاَ يَزِيدُ الرَّبُّ مَعَهَا تَعَبًا» (أمثال10: 22).

«وَأَمَّا التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ...  فَإِنْ كَانَ لَنَا قُوتٌ وَكِسْوَةٌ، فَلْنَكْتَفِ بِهِمَا...  لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ» (1تيموثاوس6: 6-10).

قارئي العزيز: «لاَ تَتْعَبْ لِكَيْ تَصِيرَ غَنِيًّا.  كُفَّ عَنْ فِطْنَتِكَ» (أمثال23: 4).  وإن أردت أن تشعر بالغنى الحقيقي، فما عليك إلا أن تُعدّد البركات التي شملك بها الله، والتي لا تُقتنى بالمال.

وإنْ كانَ للغيرِ رِبحٌ ومالْ

ففي وعدِ فادينا مِلءُ الغِنَى

فَعُدَّ المرَاحِمَ ليستْ تُنالْ

سماءٌ بمالٍ ولا تُقتَنَى

فايز فؤاد
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf