2012 115

من فيسبوكهم تعرفونهم

Bookmark and Share

موقع الفيسبوك ينتمي إلى مجموعة من المواقع تسمى بـ“شبكات التواصل الاجتماعي social network sites” والتي تتيح لمستخدميها الاتصال السهل بالآخرين ومشاركة الآراء والمحتويات (صور، فيديو، وصلات links،...).  أسَّسه مارك زوكربرج  Mark Zuckerberg مع زملائه داستين موسكوفيتز  Dustin Moskovitz وكريس هيوز  Chris Hughes وإدواردو سافرين Eduardo Saverin، حين كانوا يدرسون علوم الحاسب الآلي في جامعة هارفارد سنة 2004، بغرض استخدامه للتواصل بين طلبة هارفارد والتي كان استخدامه مقصورًا وقتها على طلبتها، ثم امتد لجامعات أخرى ومدارس ثانوية، حتى وصل عدد مستخدميه إلى المليون في نهاية 2004.  ثم تحول الأمر إلى مشروع تجاري، ورويدًا رويدًا فُتح الاشتراك للعامة، واليوم تخطى العدد 900 مليون (انظر الرسم المجاور لبعض الأرقام الخاصة بالموقع).

ماذا ولماذا؟

هذه المقالة هي نتيجة بحث علمي روحي حول هذا الموقع، ومن الحكمة أن ندرس ما يدور حولنا وبصفة خاصة إن كنا سنشارك فيه بنسبة ما.

ومن البداية أوَدّ أن أوضِّح أن غرض هذه المقالة ليس “تحريم” استخدام الفيسبوك.  فكما اتفقنا في مقالات سابقة أن «كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ» (تيطس1: 15)، والفيسبوك متى استُخدم بطريقة صحيحة لا يخلو من المزايا.  فالبعض يجد فيه واحدة من أرخص طرق الاتصال.  كما أنه يتيح مشاركة الآخرين الأخبار وبعض الأمور المفيدة.  وهو فرصة للتواصل مع المعارف الذين يقيمون على بُعد مسافات كبيرة، ومع مَن انقطع الاتصال بهم منذ فترة، كأصدقاء المدرسة القدامى.  ويفيد في معرفة الأخبار والأحداث المعاصرة أولاً بأولٍ، والتواصل مع مَن لهم اهتمامات مشتركة.  وإذا كان المسيح ملء القلب والحياة، أمكن استخدام الفيسبوك للشهادة عنه وإظهاره أمام أعين كثيرين.

لكن الغرض من المقال هو فائدة القراء الأعزاء من مستخدمي الفيسبوك (أو من المزمعين أن يستخدموه) عن طريق التوجيه للاستخدام الأمثل له، وكذا التنبيه لبعض مخاطر سوء استخدام الفيسبوك (شأنه شأن أي شيء، فالماء الذي يروي العطش وينظِّف ويلطِّف، قد يحرق إذا كان عند درجة الغليان وقد يكون سببًا للغرق).

وإليك بعض أفكار من نتيجة البحث:

هل ما زالت ملكك؟

يُجمع خبراء المعلوماتية على أن قمة مساوئ الفيسبوك هي مأساة اسمها “الخصوصية”.  والمقصود بذلك هو إمكانية مستخدم الشبكة في التحكم التام في من يرى بياناته والمواد التي يشارك بها.  فعندما تضع صورة مثلاً على صفحتك الشخصية، من المفترض أنه من حقِّك تخصيصها لأصدقائك فقط، ولكن هذا الأمر قابل للاختراق، فكثيرًا ما يتمكن أصدقاء أصدقائك من مشاهدة ما تضع، بل وبعض من لا تحب على الإطلاق أن يشاهدوها يمكنهم ذلك.  كما إنك عند محاولتك محو الصورة التي وضعتها، فهي تختفي فقط من صفحتك الشخصية، بينما تبقى محفوظة لدى الموقع نفسه!!  قول مشهور بالإنجليزية عن هذا: “when you post it, you lost it”، بمعنى أنه عندما تضع شيئًا ما على الإنترنت فقد فقدت إمكانية استرجاعه، ولم يصبح ملكك وحدك. 

وما قد لا تعرفه أنه عندما أشَّرت على كلمة “موافق accept” وأنت تفتح حسابك للمرة الأولى، فقد وافقت على السماح لفيسبوك بمشاركة بياناتك ومعلوماتك مع أطراف أخرى، كالشركات التي تتتبع اهتمامات المستخدمين، وغير ذلك!!  وما أدراك إلى أي حد قد يصل هذا!!

والأسوأ، بكل تأكيد، هو أن هناك الكثير من الأشرار الذين قد يسيئون استخدام ما تضعه على صفحتك، بصفة خاصة بياناتك (كرقم المحمول والعنوان والمدرسة والبريد الإلكتروني...) وصورك الشخصية، والتي قد يصل حد استخدامها للتزوير أو الابتزاز.  ومع أننا جميعًا ينبغي أن نتحذر من ذلك ولا نندفع بوضع صور أو مواد يمكن أن يُساء استخدامها، إلا إني أودّ أن أوجِّه تحذيرًا خاصًا للفتيات من وضع صورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم بلا حساب.

على موقع يوتيوب الشهير مقطع فيديو شهير يحذِّر من ذلك، اشتهر لأنه يبدأ بتحذير شخصي من الرئيس الأمريكي أوباما، وهو بصفة عامة جدير بالالتفات إليه.  يمكنك مشاهدته مترجمًا للعربية على الرابط: www.youtube.com/watch?v=fKepz7sXGu0

وألفت نظرك أيضًا إلى تطبيقات على الفيسبوك تشارك فيديوهاتك وصورك للعامة، مثل تطبيق Social Cam والتطبيقات التي تدعي اختيار أفضل الصور، وغير ذلك.

هل تعرف من هناك؟

قد تستلم رسالة أو يضع أحدهم رابطًا على حائطك إما أن يقودك إلى موقع مشبوه، أو أن يحوي فيروسًا، ما أن تضغط الرابط حتى يعمل، مما قد يُنتج ضررًا بالغًا لجهازك، أو قد يستغل قائمة أصدقائك فيُرسل نفسه إليهم، وأحيانًا يرسل رسائل أو مشاركات شريرة باسمك.

وهناك ما نسميه بـ“انتحال الشخصيات”.  ويبدأ هذا الأمر بمحاولة شخص لإظهار نفسه بما ليس فيه، فيمكن على الفيسبوك أن يظهر الفقير على أنه غني، والجاهل على أنه حاصل على أعلى الشهادات العلمية، والفتاة على أنها رجل، وهكذا.  كل ذلك في محاولة لكسب مادي أو أدبي، أو لابتزاز مالي أو عاطفي.  والأخير واحدة من أخطر ما يتعرض له البسطاء، فإن بُنيت علاقات عاطفية على الكذب، فلك أن تطلق لخيالك العنان وتقدِّر الدمار الذي يتعرض له هذا الشخص، نفسيًا وماديًا وبدنيًا وإيمانيًا!  وقد انتهت كثير من مثل تلك القصص التي بدأت على الفيسبوك بنهاية أليمة.

كما أن كثيرون ينتحلون صفة بعض الشخصيات العامة والمشهورة.  من فترة انتحل أحد الأشرار صفة خادم معروف ومحبوب، وقام بإنشاء صفحة أوهم الناس بأنه فتحها ليحلّ مشاكلهم.  لكن الرب كشفه في البداية قبل أن يبوح له البسطاء بمشاكلهم بما فيها من خصوصيات، ولا ندري ماذا كان سيفعل ذلك المحتال.

اسمح لي مرة أخرى

سبق وتحدّثنا عن إهدار الوقت الثمين في مقالة “بين المنفعة والخطر” بالعدد 110 من المجلة.  لكني أجد لزامًا أن نعود للتنبيه على استهلاك الفيسبوك للوقت، فهو إحصائيًا من أكثر المواقع التي يقضي عليها متصفحي الإنترنت وقتًا.  ولأُعطيك مثالاً بسيطًا، سأفترض مشتركًا متوسطًا بالفيسبوك له 300 صديق، فعندما يفتح صفحته الرئيسية سيجد أن أصدقاءة على الأقل شاركوا بالآتي يوميًا: 80 تعليق أو مشاركة حائط أو تغيير حالة (يستغرق قراءته والتعليق عليه 2 دقيقة)، 60 صورة (2 دقيقة)، 30 فيديو (5 دقائق)، 3 رسائل أو طلب صداقة (2 دقيقة)، 3 دعوات لأحداث (5 دقائق)، 3 جروبات جديدة (5 دقائق).  فلو قرَّر هذا المشترك أن يشاهد كل هذه؛ فبحسبة بسيطة سيستغرق 466 دقيقة، أضف مثلاً 74 دقيقة ليشارك هو بأشياء ويدردش وغير ذلك، فستجد أنه صرف 9 ساعات في الهواء دون جدوى!!  وما بالك إذا لعب بعض الألعاب الموجودة على الفيسبوك وكلها تستهلك ساعات يوميًا، فإلى أي عدد من الساعات سيصل؟  12؟  15؟

هل تعتبرني مبالغًا؟!  فما رأيك لو قُلنا نصف الوقت السابق ذكره، أليس كثيرًا؟!  دعك من افتراضاتي واسأل نفسك: هل الوقت الذي تقضيه على الفيسبوك مناسبًا؟

أداة أم سيد؟

كثيرون أول ما يفعلونه عند الاستيقاظ هو الدخول إلى الفيسبوك ليعرفوا آخر أخباره!  أضف إلى ذلك أن الإحصائيات تقول إن 54% من مستخدمي الفيسبوك يستعملون في ذلك التليفون المحمول، فتجد أنه يرافق أولئك في كل مكان.  لقد أصبحت هذه شكوى المدرسين في المدارس، والمديرين في الأشغال، وكل من يحب الرب في الاجتماعات!!  أحد أصدقائي الشباب كان منشغلاً عني وقت الخدمة في أحد المؤتمرات رغم أن عينيه تنظران إليَّ، وبالبحث توصلت إلى أنه يدردش (chat) في الفيسبوك من على الموبايل، إذ أنه يملك قدرة خاصة على استخدام لوحة مفاتيح المحمول دون النظر إليها، ثم يستغل أي لحظة التفت فيها لينظر إلى الرد!! 

والكثيرون يُقرّون أنهم لا يستطيعون الاستغناء عن الفيسبوك يومًا واحدًا، وقد تظهر عليهم اضطرابات إذا حرموا منه.  أتوجد علامات إدمان أوضح من ذلك؟!  فماذا عنك أنت؟

فقدان المهارات

الحياة المستمرة على الفيسبوك أفقدت كثيرين مهارات عديدة.  واحدة منها هي المهارات اللغوية.  فاللغة المستخدمة على الفيسبوك اختصرت كل شيء فأفقدت الناس حُسن التعبير، وسمحت بكل الأخطاء في كل اللغات، فسبَّب ذلك للبعض افتقادهم لمهارة اكتشاف الأخطاء اللغوية وتصحيحها، وهكذا انهارت المهارة اللغوية.  كما فُقدت مهارة البحث المهدَّف (بالمنهج العلمي) نظرًا لغزارة المواد المتاحة بدون هدف واضح.

والأخطر هو فقدان مهارات التواصل، أو التفاعل مع الآخرين.  أسمعك معترضًا بأن الموقع في الأساس هو موقع تواصل!!  دعني أخبرك أن أهم ما ينمّي مهارات الاتصال هو التواجد مع الناس والكلام معهم والاستماع إليهم وجهًا لوجه، فتفهم نبرة الكلام وتلاحظ الانفعالات والحركات، وتندمج معهم وتعطيهم وقتًا، فتصل إلى البُعد الإنساني فيهم وتتبادل الخبرات معهم.  أما عن التواصل عن طريق الفيسبوك، فأنت فقط تكتب، لا ترى، لا تسمع، لا تتكلم (حتى إن استعملت الدردشة بالفيديو فما زلت تفتقد الكثير من ذلك).  والأهم أنك تتكلم مع أكثر من واحد وتفعل أكثر من شيء في الوقت ذاته، فتحرم نفسك ومن تتصل به من الانفعال والمشاعر الإنسانية الراقية والتواصل السليم، ليتحول التواصل إلى مجرد ثرثرة لا جدوى لها بل ضرر. 

وبعد ساعات وساعات، وأيام وشهور، تقضي أغلى أوقاتها أمام شاشة وبضعة أزرار، تتعامل مع الناس من خلالها، وترى العالم فقط منها، ماذا تتوقع أن تكون مهارتك الاجتماعية؟

أضف إلى ما تقدَّم: السطحية التي يكتسبها مدمنو الفيسبوك من جراء بحثهم عن التسليات، والنكات، والجديد، والمشهور، والحصول على أكثر عدد من ضغطات “أعجبني” حتى إن كانت سفاهة وهزل فحسب.

هذه ليست كل المشاكل، لكن أكتفي بها لأنتقل إلى:

10 نصائح أساسية

1. اسأل نفسك عدة مرات قبل أن تضغط على زر قبول الإضافة: من تضيف؟  أضف فقط من تعرفهم جيدًا، وتثق في أنهم لن يسيئوا استخدام صفحتك ومحتوياتها.  تذكَّر أن الحذر أفضل من الندم.

2. قُم بتعلية مستوى الأمان والخصوصية من اختيارات ضبط حسابك.  إن كنت لا تعرف كيف، فليس عيبًا أن تسأل أحد الموثوق فيهم.  دائمًا حدِّد من المسموح له أن يرى الشيء الذي وضعته، واقصر ذلك على أضيق دائرة.  تعلَّم استخدام “القوائم”، وهي خاصية في فيسبوك تجعلك تقسِّم أصدقائك وتحدِّد من يمكنه المشاهدة.

3. أضف أباك وأمك وقائدك الروحي وبعض المعارف الأكثر خبرة روحيًا وزمنيًا منك، واسمح لهم بالوصول إلى كل محتويات صفحتك.  إن وجود مثل هؤلاء يضمن لك الكثير من الأمان، اعتبرهم جهاز إنذار ينبهك لبعض المساوئ قد تخفى عليك، في توقيت مناسب، ولك حرية اتخاذ القرار بعد ذلك.

4. تعلَّم أن تلقي نظرة سريعة على محتويات صفحتك الرئيسية، ولا تقف إلا عند القليل جدًا مما ترى أنه سيكون مفيدًا لك وليس فقط ممتعًا.

5. استخدم الفيسبوك في مكان مفتوح ولا تحوّله لشيء سري.  السرية في بعض الأحوال قد تكون بوابة الشيطان لاصطيادك في عمل غير بناء، وقد تكون كمصيدة يصطادك بها الأشرار.  ومن المهم أن تذكِّر نفسك دائمًا أن الله يرى في الخفاء.

6. الأفضل ألا تشغِّل الفيسبوك على الموبايل، أو على الأقل أن تُحِدّ من ذلك إلى أقصى درجة.  ولا تبقى مُتصلاً دائمًا.  تعلم أن تغلق الدردشة أغلب الوقت.  لا تجعل الفيسبوك يتحول إلى سلسلة.

7. ضع حدودًا لاستخدامك الفيسبوك: من حيث الوقت، حدِّد لنفسك الزمن الذي ستستخدمه فيه، ولا مانع من ضبط منبه ليذكِّرك.  ومن حيث المحتوى، ضع أنت بنفسك قائمة لما يمكن أن تطّلع عليه وما لا يمكن.  وكذلك ضع حدودًا لمن تضيف من الأصدقاء، ولما هو مسموح لكل منهم.  إن عدد الأصدقاء لا يبين قيمتك، قيمتك الحقيقية أولاً في ارتباطك بالمسيح، ثم في مدى إفادتك للآخرين.

8. كن شخصية قوية، أثِّر ولا تتأثر.  املأ يدك من المسيح وقدِّمه للآخرين.  دائمًا اتبع، وانشر، الأفكار الإيجابية المفيدة.

9. احذر الانبهار الخاطيء، فالكثيرون يتفاعلون بقوة مع الأشياء التي تأتي من أصدقاء مفضلين، أو تأتي على هواهم، ويتعاملون معها على أنها على الحقيقة المطلقة.  دائمًا ستجد الخبر وعكسه على الفيسبوك، وكل واحد مقتنع بأن ما يقول هو الأصح.  تحقَّق أنت من مصادر موثوق فيها، وفكِّر في كل شيء على أسس سليمة.

10. اهتم بالناس والتواصل والتعامل الصحي معهم.  اعمل على خدمتهم، فهذا كنز سيبقى لك بعد أن تفنى كل “لايكات likes” الفيسبوك.

ماذا تضع هناك؟

انطلق شاب ليكون مع المسيح من خلال ظروف أليمة كتبت عنها في العدد 109، في مقالة “حتى متى الدماء والدموع”.  كان واحدة من النقاط الهامة أن صفحة هذا الشاب شهدت عن محبة كبيرة للرب يسوع، شهد بها القريب والبعيد.  والحقيقة أن صفحاتنا على الفيسبوك شهادة عن: من نحن.  فمن انفعالاتك الظاهرة في بيان الحالة status يمكن أن يظهر إن كنت قلقًا أو في سلام، ومن تعليقاتك comment يمكن أن يبدو إن كنت شابًا صاحب هدف أم لا يهمك إلا بعض الضحك وحسب، ومن مشاركاتك share يمكن أن يُعرف موضع المسيح في قلبك هل هو سيد أم هناك سادة سواه.  فصفحتك تشهد عنك.

على صفحات الفيسبوك هناك الكثيرون من المحسوبين مؤمنين أظهروا تحمّسهم لقضية ما يعيشون من أجلها، أو فريق ما يشجعونه، أو مرشح ما يتبعونه.  وهناك من بدون ضجيج أظهروا تبعية مطلقة للمسيح، وأنه هو بالنسبة لهم هو الكل في الكل.

قال ربنا المجيد «مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ» (متى7: 16).  وما تضعه على صفحتك هو ثمر أفكارك وقناعاتك ومنهج حياتك وصداقاتك وقراءاتك ومشاهداتك.  لذا أستطيع أن أختم بعنوان المقال: “من فيسبوكهم تعرفونهم”.  فماذا تعلن صفحتك؟

اسمح لي أن أقول لك: “أرني فيسبوكك.. أقول لك من أنت”.

عصام خليل
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf