2002 54

خلق العالم

Bookmark and Share

في زيارة للواعظ الشهير بيلي جراهام للقاهرة، في الخمسينات من القرن الماضي، وصف الإنسان قائلاً: ما نحن إلا بعض النمل الذي يزحف على الأرض... والحقيقة أننا عندما نتأمل في جزء بسيط جداً من الخليقة ونعرف جزءاً يسيراً جداً من أسرارها، فإننا نعتبر تشبيه الإنسان بالنملة إنما هو تشريف كبير لا نستحقه، ويأتينا الإحساس بمدى ضآلتنا أمام قدرة الله العظيمة كالخالق، ونشعر بأن أي منا إنما هو أقل من جزء من المليون من ذرة تراب عالقة في بحر الكون العظيم، ويتعمق لدينا الإحساس أننا «المزدرى وغير الموجود» (1كورنثوس1 :28). 

الله موجود قبل كل الوجود:

لم يشرح لنا الكتاب المقدس وجود الله ولا اثبته، ولكنه ببساطة يعتبره أمراً مسلَّماً به.  لكن تأخذنا أول عبارة في الكتاب «في البدء خلق الله السماوات والأرض» (تكوين1 :1)، لنرى في تلك الخليقة الرائعة، ومن خلال الكون الفسيح، براهيناً كثيرة مقنعة لوجوده.  وكلما زاد العلم وعرف المزيد من أسرار الكون، أصبح مستحيلاً أن يقال إن كل هذا قد أتى إلى الوجود بدون مصمم ومخطط.  فالخليقة تقودنا لنعرف هذا الإله العظيم «لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته، حتى أنهم بلا عذر» (رومية1 :20).

دعنا إذاً نتأمل في هذه الخليقة الرائعة.

ماذا عن السماء؟

ربما نسأل واحداً عن السماء فيقول لك إنها هي هذه التي فوقنا، ويفوته أن هذا الذي فوقه شيء غير ثابت، وأنه يرى من السماء في كل ساعة شيئاً غير الذي رآه في ساعة سابقة، وغير ما سوف يراه في ساعة لاحقة.. فهذا الذي فوقه كان منذ ساعات تحته، والذي هو على يمينه سيكون، بعد قليل، على يساره. والناس ترى الشمس تدور في قبة السماء من المشرق إلى المغرب وكذلك القمر والنجوم، ولكن عالم الفلك عندما يرقب الليل والنهار ولمدة 24 ساعة، يرى فيها كل ساعة وجوهاً للنجوم جديدة في وجه للسماء جديد ثم يبدأ ال24 ساعة التالية فإذا بهذه الوجوه نفسها تعود فتتتابع في نفس الأوجه من السماء

ماذا عن الأرض؟

هي كوكب كروي سيار يدور في الفضاء الكوني الشاسع.  والأرض بيضاوية الشكل يبلغ طول قطرها الأكبر حوالي 13000 كم.  وتدور حول نفسها مقابل الشمس من مغرب إلى مشرق كل 24 ساعة، وبذلك يتعاقب الليل والنهار.  وفي نفس الوقت تدور حول الشمس بحكم جاذبية الشمس لها في مدار بيضاوي الشكل، وتتم دورتها حول الشمس في 365 يوم و5ساعات و48دقيقة و46ثانية؛ وهذه الفترة تعرف بالسنة الشمسية.

ماذا عن الشمس؟

هي نجم كبير ناري قطره نحو  1.4مليون كم.  وهي كقنبلة هيدروجينية هائلة تُقدَّر درجة الحرارة على سطحها 6000 درجة مئوية، أما في باطنها فتصل إلى 14 مليون درجة مئوية.  ويندلع من كل ناحية لها لهب رهيبة مخيفة جداً تمتد إلى بعد مئات الآلاف من الأميال منها.  وتكبر الشمس عن الأرض 330 ألف مرة، وتبعد عنها نحو 150 مليون كم؛ مع العلم أنها أقرب النجوم إلينا.  وهي تدور وتتحرك في الفضاء بسرعة غير ثابتة.

ماذا عن المجموعة الشمسية؟

الشمس مركز لمجموعة كواكب سيارة تدور حولها عددها تسعة منها الأرض.  وهي بحسب ترتيب بعدها عن الشمس: عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشترى وزحل وأورانوس ونبتون وبلوتو الذي يبعد عن الشمس نحو 5900 مليون كم.  هذا عدا حزام من مئات الكواكب الصغيرة والنيازك والمذنبات. وكوكب زحل يكبر عن الأرض نحو 800 مرة، ويتميز بهالة عجيبة  تحيطه، ويدور حوله عدد من الأقمار لا زال علماء الفلك يكتشفون الجديد منها.  والمشترى، أكبر كواكب المجموعة، يكبر عن الأرض نحو 1300 مرة.  والمجموعة الشمسية هذه مع عظمتها في أحجامها وأبعادها ليست إلا ذرة بين مجموعات الأجرام السماوية النجمية الأخرى التي تفوق العقل والحصر، فهذه المجموعات تكبر عن مجموعتنا ملايين المرات وتبعد عنا بملايين الأميال.

أبدع الكبير والصغير

كان معروفاً قبلاً أن الذرة هي أصغر وحدة بنائية للمادة، وأنها ليست جوفاء؛ لكن العلم الحديث أثبت أن الذرة تتكون من وحدات بنائية كثيرة أصغر منها الآف المرات مثل الإلكترون والبروتون والنيوترون وأن معظم حجم الذرة فراغ.  لقد استطاع الميكروسكوب الإلكتروني أن يكشف لنا روعة التصميم الإلهي في أمور دقيقة جداً.  واسمع علماء الطبيعة النووية وهم يخبرونك أن الضآلة الشديدة جداً هامة جداً لحفظ الكون كله، فنيوترونات ذرة حجمها ضئيل جداً جداً، تجمع المادة لتصبح كتلة صلبة؛ ولولا هذه النيوترونات لحدث انفجار للعالم وتبدد. وإن كانت الأرض تتحرك وكذلك القمر والشمس والنجوم فأيضاً ذرة الرمل، التي قد تبدو لنا ساكنة، كل جزئياتها في حركة مستمرة، وفي داخل هذه الذرة ميدان حركة ذاتية هائلة لا تكاد تعيها الأفهام، حركة هي أصغر وأعنف حركة.  حقاً أنه، في تصميم الله، الصغر أو الضآلة في نفس أهمية الكبر أو العظمة؛ لقد اهتم بكليهما.

لذا إن تبادر لأذهاننا السؤال: كيف يمكن لله الذي خلق كل هذا أن ينشغل بي أنا الحقير؟  فدعونا نطمئن لأن ليس حجم الإنسان هو الذي يحدد قيمته عند الله، بل لنعلم أننا ذوو قيمة عظيمة جداً عند إلهنا خالقنا ومدبر خلاصنا العظيم.

وديع هلال
 

الصفحة الرئيسية - إتصل بنا - نبذة عن المجلة

كتّاب المجلة - أعداد نحو الهدف السابقةصفحة البحث

©2010 Nahwal Hadaf